النهي عن التبعية بغير علم

والآن نعود للآية من أولها وننيخ المطايا فيما يجمل عنها من فوائد، وأعظم الفوائد فيها: أن الله نهى عن التبعية بغير علم؛ لأن الله قال: {قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ} [الزخرف:24]، وعلى هذا فباب الاجتهاد في الشرع مفتوح ولا يلزم، والناس عندما فتحوا لأنفسهم باب الاجتهاد ظنوا أن الطريقة المثلى إليه هي حفظ المتون، وهذا خط منهجي عظيم، فإن الحفظ وإن كان حسناً إلا أن الذي ينبغي في المجتهد أن يعرف مواضع الأحكام ويفهمها، وأما حفظها فليس له علاقة بالاجتهاد، فإذا كان يسهل عليه أن يعرف موطن الحكم ويفقهه ويفهمه وينزله التنزيل الصحيح فهذا مجتهد، وأما الحفظ فلا علاقة له؛ لأننا لو قلنا: إن الحفظ ركن من أركان الاجتهاد لوصل إلى تلك المنزلة أو إلى نصفها أو قارب منها مئات الحفاظ، وأنت كما ترى كثيراً منهم لا يملك الآلة العلمية، وحسبك مثلاً أن ابنك في المرحلة الدراسية قد يكون في الثانية عشرة من عمره، وحفظ القرآن أو حفظ الصحيحين، ولا يمكن أن يكون قد خطا خطوة واحدة في طريق الاجتهاد، قال الناظم: وموضع الأحكام دون شرط حفظ المتون عند أهل الضبطِ والمعنى: أن يعرف المجتهد موضع الأحكام دون أن يشترط حفظ المتون عند أهل الإتقان والصنعة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015