قال الله تعالى: {وَقَالُوا} [البقرة:88] أي اليهود {قُلُوبُنَا غُلْفٌ} [البقرة:88] جمع أغلف، وهو من على قلبه غطاء وغشاوة، أي زعموا أن الذي يمنعنا من اتباعك ما على قلوبنا من الغطاء والغشاوة.
قال الله: {بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ} [البقرة:88] أعظم ما تدل عليه هذه الآية أن تعلم أن من الجزاء ما يكون أعظم من الذنب، فهؤلاء اليهود اجترءوا على الله وعلى رسله؛ فعاقبهم الله على هذا الاجتراء بأن جعل قلوبهم لا تقبل الإيمان، ولا ريب أن الله جل وعلا إذا طبع على قلب أحد ولم يجعله يقبل الإيمان فهذه عقوبة وجزاء ظاهر القسوة، وقد صرف اليهود عن اتباع الحق لما اجترءوا على المعاصي، وعاقبهم الله جل وعلا بقوله: {بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ} [البقرة:88] أي الذي جعلهم حقيقة لا يقبلون الحق ما أقامه الله جل وعلا عليهم من اللعنة حتى أصبحوا مطرودين من رحمة الله.
ونقرأ في كتب التعريفات أن اللعن هو الطرد والإبعاد من رحمة الله، والحق أن هذا التعبير على إطلاقه في النفس منه شيء، ولا يستقيم شرعاً وإن قال به أكثر أهل العلم؛ لأنه ينبغي تقييده بأن ينظر من الملعون، ثم المسألة مسألة نسبية، فقد يكون الطرد طرداً بالكلية، وقد يكون اللعن منعاً من دخول الجنة، وقد يكون اللعن حكماً على أحد بالنار، وقد يكون اللعن تخفيض منزلة وإنزال من درجة، وهذا أكثره يرد في حق أهل الإيمان، وعليه تحمل الأحاديث التي جاءت في عصاة المؤمنين، خاصة بعض الأعمال التي ليست في ظاهرها من الكبائر، وإن كان بعضهم يقولون: إن ذكر اللعن دليل على الكبيرة، لكن بعض الأحاديث فيها النهي عن شيء من غير الكبائر ومع ذلك ذكر فيه اللعن، فيكون اللعن هنا محمولاً على إنزال من درجة معينة، من درجة المقربين الأبرار أو من درجة أهل الفضائل أو ما أشبه ذلك إلى درجة أصحاب اليمين، لكن لا يكون طرداً كلياً كما هو معنى لعنة الله على الكافرين.