نعود فنقول: إن قوله: {وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ} [الزخرف:18] قيد لا بد منه، ونحن نعلم أن في النساء فصيحات بليغات شاعرات، والقرآن لا يمكن أن يخالف الواقع فالواقع أعظم الشهود، وقد قال معاوية رضي الله تعالى عنه وأرضاه في حق أم المؤمنين عائشة: إنها كانت فصيحة بليغة، وأنها ما فتحت باباً وشاءت أن تغلقه خطاباً إلا فعلت، ولا أغلقت باباً وشاءت أن تفتحه خطاباً إلا فعلت، ولئن قلنا: إن المرأة لا تبين ولا تفصح ولا تفهم فكيف نقول في الكثير من الأحاديث التي روتها صحابيات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فنجم عن هذا القول وحمل هذه الراية رد كثير من السنة.
لكن نقول: إن التعبير القرآني جاء مقيداً، قال الله جل وعلا: {أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ} [الزخرف:18]، وأما في غير خصام فقد يكون مبيناً، فمثلاً أحياناً قد يكون الحديث إن كان هذا من الإفراد أن مسلم رحمة الله تعالى عليه روى في الصحيح: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا إله إلا الله ويل للعرب من شر قد اقترب فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذا) إلى آخر الحديث، وهذا الحديث سمعته من النبي صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش، وهي زوجة النبي صلى الله عليه وسلم، وزينب أخبرت بهذا الحديث أم حبيبة، وأم حبيبة هي زوجة النبي صلى الله عليه وسلم، وهي بنت أبي سفيان، وأم حبيبة أخبرت به ابنتها حبيبة ربيبة النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج أمها فأصبحت من ربائبه، وحبيبة أخبرت به زينب بنت أم سلمة التي هي زوج النبي صلى الله عليه وسلم.
وزينب أيضاً ربيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا حديث اجتمع في سنده أربع صحابيات، اثنتان زوجتان للنبي صلى الله عليه وسلم وهما أم حبيبة وزينب بنت جحش، واثنتان من ربائب النبي صلى الله عليه وسلم وهما حبيبة وزينب بنت أبي سلمة، والأسماء هنا تدور في فلك زينب وحبيبة: زينب بنت جحش وأم حبيبة وحبيبة وزينب بنت أبي سلمة.
فلو قلنا: إن الآية على إطلاقها لوقفنا ضعفاء في قبول هذا الحديث، لكن نقول: إن الله قيد ويجب اعتبار تقييد القرآن، قال الله جل وعلا: {أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ} [الزخرف:18].
وينجم من هذه الآية فقهياً أن الأصل في زينة النساء الإباحة، إلا ما استثناه الشرع نصاً من زينة النساء فيترك ويجتنب؛ للنهي الشرعي، وما لم يأت فيه نص شرعي فإنه يبقى على أصله، ويؤخذ بعموم هذه الآية وهي قول الله جل وعلا: {أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ} [الزخرف:18].
جعلنا الله وإياكم ممن إذا خاصم أبان ولا يفجر، فيدافع عن حقه ولا يقع فيما وقع فيه أهل النفاق، هذا ما تيسر إيراده، وتهيأ إعداده، وأعان الله على قوله، وفي اللقاء المقبل بإذن الله تعالى نبدأ بقول الله: {وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ} [الزخرف:19].
وصل الله على محمد وعلى آله، والحمد لله رب العالمين.