تفسير قوله تعالى: (والذي نزل من السماء ماء فأنشرنا به بلدة ميتاً)

{وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً} [الزخرف:11]، فالماء الذي جعله الله في الأرض على ضربين: ماء عذب فرات، وماء ملح أجاج.

فجعل الله الماء المستقر مالحاً؛ حتى لا ينتن، فلو أن ماء البحار ليس مالحاً لأنتن وظهرت رائحته، وجعل الله الماء المتحرك الذي ينزل من السماء عذباً، قال تعالى: {عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ} [الفرقان:53]، فجعل المياه الراكدة الثابتة على الدوام التي لا يحتاجها الناس شرباً جعلها مالحة؛ حتى لا تنتن، وجعل الماء المتحرك الذي يحتاجه الناس سواء كان متحركاً في أصله بنزوله من السماء، أو في العيون والآبار جعله عذباً فراتاً تبارك وتعالى بنعمته ورحمته لعباده.

{وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا} [الزخرف:11]، هذا وفق الصناعة البلاغية يسمى: استعارة تبعية؛ لأن لفظ (نشرنا) إنما يقال في الميت إذا أحيي، فجعل الله جل وعلا الأرض التي لا نبت فيها كالجسد الذي هو ميت لا روح فيه، {فَأَنشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ} [الزخرف:11]، فالذي استعصى على القرشيين فهمه: أن الله يحيي الموتى، فانظر كيف عالج القرآن هذه القضية قال ربنا: {فَأَنشَرْنَا} [الزخرف:11]، والناء هنا ناء الدالة على الفاعلين، وقد جيء بها للعظمة في الحديث عن الشيء الذي يرونه بأعينهم، وأما الشيء الخفي الذي هم مطالبون بالإيمان به فلم يقرنه الله بناء الدالة على الفاعلين؛ ليبين لهم أنه أمر هين عليه لم يعظمه الله، فعظم الله جل وعلا المقيس ولم يعظم المقيس عليه، عظم الله جل وعلا ما يرونه: {فَأَنشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا} [الزخرف:11]، فلما ألقموا في أفواههم حجراً وسقط ما في أيديهم قال لهم ربهم: {كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ} [الزخرف:11]، ولم يقل: كذلك نخرجكم؛ لبيان أن هذا من حيث مفهوم خطابكم أهون وإلا فالأمر عند الله سواء.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015