اسم الفعل

وهناك شيءٌ قريب من الأفعال يسميه النحاة (اسم الفعل)، وقد احتاروا فيه، فهم لا يجعلونه فعلاً ولا يجعلونه اسماً؛ لقرب خصائصه من الأسماء حيناً وقرب خصائصه من الأفعال حيناً.

ومن أسماء الأفعال في القرآن (هيهات)، وقد وردت في قول الله تعالى في سورة المؤمنون: {هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ} [المؤمنون:36]، وينبغي أن يعلم أن التكرار هنا لزاماً ليس اختياراً.

وقد سألنا بعض الطلاب ذات مرة عن الكلمات التي جاءت في القرآن متتابعة من غير فاصل، وكان في الطلاب شيء من النباهة، فقال أحدهم: كلمة (فيه) في قول الله جل وعلا: {لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا} [التوبة:108]، وقال آخر: وكلمة لفظ الجلالة في قول الله جل وعلا: {لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [الأنعام:124] فلفظ الجلالة تكرر مرتين، والوقف لازم على الأولى.

وهاتان الكلمتان في القرآن تكررتا من غير فاصل، فاعترض أحد الطلاب بأدب وقال: لا، فـ (هيهات) في سورة المؤمنون تكررت من غير فاصل، وهنا خطأ في الفهم، فـ (هيهات) الأولى هي الثانية ليست توكيداً، والعرب لا تلفظ (هيهات) وحدها، بل تكررها مرتين، وما ورد عنها من ذكرها مرة واحدة فمن باب الاضطرار، كقول جرير: فهيهات هيهات العقيق ومن به وهيهات خلاً بالعقيق نواصله فقوله في الأول: (هيهات هيهات العقيق ومن به) جرى على عادة العرب، وقوله في الأخرى: (وهيهات خلاً بالعقيق نواصله) اضطرار في الشعر.

وقبل أن ننهي الموضوع ينبغي أن نبه على إن العقيق هنا ليس هو الوادي الذي في المدينة؛ لأن جريراً لم يكن يسكن المدينة، بل هو واد في نجد تغزل جرير به وبأهله وتشبب، فذكره في شعره كثيراً.

فليس هو عقيق أهل المدينة المشهور، ولكن العقيق إذا أطلق من غير تقييد ينصرف إلى وادي العقيق الذي في المدينة الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: (أتاني الليلة آتٍ من ربي، فقال: صل في هذا الوادي المبارك، وقل: عمرة في حجة).

هذا ما تيسر إيراده وتهيأ إعداده حول قول تبارك وتعالى {قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ} [الأنعام:14] وصلى الله على محمداً وعلى آله، والحمد رب العالمين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015