قال الله جل وعلا بعد ذلك عنهم: {وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً} [البقرة:80] اختلف في الأيام المعدودة وماذا أراد اليهود بها؟ مع أن الآية واضحة في أن اليهود يعترفون بوجود الجنة والنار وكذلك النصارى، قال الله جل وعلا عنهما: {وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ} [البقرة:111]، وقال الله جل وعلا عنهم: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ} [البقرة:113]، والذي يعنينا أن الله جل وعلا ذكر عنهم أنهم قالوا أن النار لن تمسنا إلا أياماً معدودة، وأشهر أقوال أهل العلم أنهم قصدوا بها الأيام الأربعين التي عبدوا فيها العجل، قصدوا أنهم يعذبون في النار أياماً معدودة وهن أربعون لعبادتهم العجل، وقال بعض العلماء أقوالاً أخر لكني لا أعلم مستنداً لها لا من النظر ولا من الأثر؛ فضربنا الذكر عنها صفحاً.
نعود فنقول: {وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [البقرة:80] هذا ترتيب منطقي، يعني زعمكم هذا مبني على أحد أمرين: إما أن يكون لديكم عهد من الله، وإما أن يكون قول افتريتموه على الله، فإذا ثبت أنه ليس لكم عند الله عهد فلم يبق إلا أن يكون قولكم فرية، {قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا} [البقرة:80] وليس لهم عند الله عهد.
{فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ} [البقرة:80] كما تزعمون.
{أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [البقرة:80] يقول بعض العلماء: أم هنا للإضراب الانتقالي يعني بل تقولون على الله ما لا تعلمون، لكن الأفضل جعلها على الترتيب المنطقي الذي بيناه آنفاً.