النظرة الشرعية إلى ولد الزنا

وهنا مسألة أخرى، وهي الوليد الذي ينشأ من الزنا، وهذه مسألة تكثر في كل زمان ومكان، وقد ساد أقوام من هذا الصنف، ومن أشهرهم تاريخياً زياد بن أبيه أحد أمراء العرب في عصر بني أمية، وقد استعمله علي رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وكان جباراً فتاكاً، فلما آل الأمر إلى معاوية طلبه وألحقه بهم وقال: إن أبا سفيان هو الذي كان سبباً في ولادته من امرأة كان يأتيها في الطائف، فكان يعرف بـ زياد بن أبيه؛ لأنه لا يعرف له أب، ثم عرف بـ زياد بن أبي سفيان.

وقد ولي زياد العراق في أيام بني أمية، وهو صحاب الخطبة المشهورة بالبتراء، والبتراء هي المقطوعة، حيث صعد المنبر وقال دون أن يحمد الله أو أن يثني عليه أو أن يصلي على رسوله: أما بعد: فإن الجهالة الجهلاء، والضلالة العمياء ما عليه سفهاؤكم، واشتمل عليه علماؤكم وأخذ يهدد ويوعد.

وتسمى هذه الخطبة عند اللغويين بالموقف اللغوي الكامل، وذلك أن المواقف اللغوية تتكون من ثلاثة عناصر مرسل ورسالة ومستقبل، فإذا استطاع المرسل أن يتقن الرسالة وصلت الرسالة إلى المرسل إليه.

فالرجل صعد على المنبر في قوم ذوي ثورة وتمرد على ولاتهم، فلا يحسن معهم الشفقة، فالموقف القوي يطلب منه أن يقدم رسالة يظهر فيها حزمه، فلهذا بدأها بغير حمد الله والثناء عليه.

وإنما فعل ذلك لمناسبة الموقف، وهذا مثل ذبح الأضحية يوم العيد، فإنه لا يقال معه: بسم الله الرحمن الرحيم؛ لأننا لو قلنا: (الرحمن الرحيم) لما نحرنا ما بين أيدينا من الضأن.

ولكن نقول: (باسم الله، الله أكبر) لمناسبة الموقف.

وقد زعموا أن أبا عمرو بن العلاء كان راكباً على دابته، فمر بسوق النخاسين، وجملة من في السوق قوم لا يفقهون من اللغة إلا اليسير، وكان قد اختلط العرب بالعجم، وهو ضليع في النحو مغرق في مسائل الألفاظ العويصة، فسقط من فوق دابته فاجتمع الناس عليه خوفاً من أن يكون قد أصابه مكروه، فقال لهم: ما لكم تكأكأتم كتكأكؤكم على ذي جنة، افرنقعوا.

فلم يقم أحد؛ لأن الموقف اللغوي هنا ناقص؛ إذ النحاة العالمين بـ (عسى) ولـ (عل) يفهمون مراده، فكيف يفهمه العامة؟! وقد أراد أن يقول: ما لكم تجمعتم علي كتجمعكم على رجل مجنون، انصرفوا.

ولكن الناس لم ينصرفوا، ولم يتحركوا عنه؛ لأنهم لم يفقهوا شيئاً مما يقول.

وغاية ما أردت بيانه هو شأن أمثال زياد، فهذا الصبي الذي حصلت فيه الملاعنة جاء في المسند بسند فيه ضعف ولكنه يقبل في مسائل الأخبار أنه رؤي أميراً على إحدى الولايات في مصر.

وبعض العلماء وهو يفسر القرآن نجده يلحظ هذه القضية، وذلك في قول الله تعالى: {يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ} [الإسراء:71]، والمراد: بكتابهم؛ لأن الإمام ورد في اللغة بمعنى: الكتاب، وفي القرآن {وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ} [يس:12].

فقال بعض المفسرين -وأظنه محمد بن كعب القرظي -: (بإمامهم) يعني: بأمهاتهم.

فقيل له: لماذا لا يدعون بآبائهم؟! فقال: ستراً على أبناء الزنا؛ لأنه لا يعرف لهم آباء، وإظهاراً لشرف الحسن والحسين في نسبتهما إلى فاطمة؛ لأن فاطمة بنت نبينا صلى الله عليه وسلم.

والمقصود أن هذه الاستحضارات يستحضرها الناس أحياناً في الكلام عن القضايا، والتفسير علم مفتوح تلتقط أوراقه من هنا وهناك، وهذا كله يدخل في باب المعرفة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015