تفسير قوله تعالى: (ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت)

ثم خاطب الله علماء بني إسرائيل المعاصرين للنبي صلى الله عليه وسلم بقوله: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ * فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة:65 - 66].

أهل السبت أخبر الله عنهم في سورة المائدة، وعبر عن تلك القرية بأنها حاضرة البحر، وهي مفردة جميلة جداً يحسن بطالب العلم أن يستخدمها، بدل أن يقول: مدينة ساحلية يقول: مدينة حاضرة البحر.

المحرم أحياناً يكون تحريم طريقة، وأحياناً يكون تحريم عين، فلا بد أن ينتبه الإنسان إلى ما هو المحرم حتى يجتنبه، فلا يكون في خلط كما هو حاصل الآن، فمثلاً: بيع التورق المعاصر، يرى بعض أهل الفضل أنه نوع من الربا، ويقولون: لم يتغير في الأمر شيء، أنت وصلت إلى مقصودك لكنك غيرت الطريقة، فإذا ناقشته استدل بآية المائدة: {تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} [الأعراف:163] إلى آخر الآيات، ووضع الأمر في نصابه مهم جداً، فالمحرم في التورق: الطريقة قبل وقوعه، أما التورق فلا حرج فيه، فكون الإنسان يريد أن يحصل على مال هذا ليس بمحرم، لكن إن حصل عليه عن طريق الربا فهو محرم، وإن حاد عن الربا ولجأ إلى طريق غير ربوية فلا حرج فيه، فلا تنطبق عليه الآية، وأولئك القوم لم يحرم عليهم الحوت، وإنما حرم عليهم الصيد يوم السبت، فهم احتالوا على أن يصيدوا يوم السبت، فلأنهم صادوا يوم السبت باحتيال جعلهم الله جل وعلا قردة خاسئين، وهذا مهم جداً في تلقي العلم وفهمه، وعدم العجلة في الحكم على الأشياء، وإن كان قد قال بحرمة التورق علماء أجلاء.

قال الله جل وعلا: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ * فَجَعَلْنَاهَا} [البقرة:65 - 66] أي: هذا العذاب والنكال، {نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا} [البقرة:66] أي: للذنوب الحاضرة، {وَمَا خَلْفَهَا} [البقرة:66] أي: من ذنوب سلفت، {وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة:66] أي: ليتعظ بهم غيرهم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015