ولم يذكر الله هنا إلا الجلد، وجمهور أهل العلم والخلفاء الراشدون على أنه يضاف إليه تغريب عام، لنطقه صلى الله عليه وسلم بهذا في قصة الأجير الذي زنى بامرأة مستأجرة، حيث قال عليه الصلاة والسلام: (على ابنك جلد مائة وتغريب عام) أي: النفي.
وهذا قول جمهور أهل العلم.
وقال بعض الفقهاء: إن التغريب يرجع إلى الإمام، وهذا قول أبي حنيفة.
والسبب في ذلك أصل مذهب أبي حنيفة، وذلك أن أصله أن الزيادة في النص تعني النسخ، وهذا الأصل حاكم للمذهب.
ثم إنهم اختلفوا بعد ذلك في تغريب المرأة، فذهب مالك رحمه الله إلى أن التغريب لا يقع على المرأة، وحجته أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مع غير ذي محرم، أو بدون محرم) وغير ذلك من النصوص الحاكمة في هذا الباب.
وقد يقول قائل: يجبر المحرم على السفر معها، وهذا لا دليل عليه، والأظهر -والعلم عند الله- أن التغريب يقع على الرجال دون النساء؛ لأنه يخشى من تغريب النساء مفسدة أكبر من الأمر الذي تغرب من أجله، لكن إن ثبت أن أبا بكر أو عمر فعله فلا ريب في أن رأيهما أو رأي أحدهما مقدم على رأي من بعدهما.
وهذه المسألة إحدى مسائل الأصول، أعني اتفاق الشيخين أبي بكر وعمر على مسألة، فهل يعد قولهما حجة أم لا؟ والجواب أنه لا يعد قولهما حجة، ولكن نقول: من ذا الذي يقدر على أن يعارض قولاً اتفق عليه الشيخان؟! قال جرير يسخر من الأخطل: ما كان يرضى رسول الله فعلهم والطيبان أبو بكر ولا عمر