وقد أراد الله بهذا أن يبين أن هناك آية ستنجم عن هذه العصا، ولم يرد الله أن تكون الآية في شيء غير العصا فلعل موسى يقع في ذهنه أنه شيطان أو ما أشبه ذلك، لكن موسى من أعلم الناس بعصاه، وهو يعرفها، وهي ملازمة له سنين عديدة، ويعرف من أين اقتطعها، وهو يتوكأ عليها -كما يقول- ويهش بها على غنمه فهي لا تكاد تفارقه.
ولهذا أراد الله أن تكون الآية في نفس الشيء الذي يعرفه موسى جيداً، فخاطبه رب العزة: {قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى} [طه:19]، (ألقها): فعل أمر جزم بحذف حرف العلة وهو الياء، وقد استجاب الكليم لأمر ربه فألقى العصا، قال الله: {فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى} [طه: 20] (فإذا) فجائية، وسيبين نحوياً غرابة هذه (إذا) في موطنه بعد أن نترك قصة موسى، ((فَإِذَا هِيَ))، أي: العصا، ((حَيَّةٌ تَسْعَى))، فجأة إذا بهذه العصا التي يعرفها جيداً تنقلب إلى حية.
وجاء في بعض الآيات أنها ثعبان، وجاء في بعض الآيات أنها جان، والجمع بينها أنها حية في ضخامتها، ثعبان في تلونها جان في خفتها، فهي تتنقل وتسبح في الأرض وتجوب فيها، وبجبلته التي فطره الله عليها كأي بشر ولى هارباً، قال الله جل وعلا: ((قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى * فَأَلْقَاهَا))، أي: عصاه، ((فَإِذَا هِيَ))، أي العصا، ((حَيَّةٌ))، ليست ثابتة واقفة جامدة ميتة ((تَسْعَى))، تتحرك، قال تعالى: {قَالَ خُذْهَا وَلا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الأُولَى} [طه:21]، بمعنى: أنه نجم عنه خوف، وقد ذكر في سور أخرى أنه ولى هارباً، فطمأنه ربه وقال: {أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ} [القصص:31]، ثم أمره الله أن يأخذها يأخذها وهي حية لم تعد عصا، فأخذها امتثالاً لأمر الله، وطمأنه الله فقال: ((سَنُعِيدُهَا))، أي: الحية، ((سِيرَتَهَا الأُولَى))، أي: سوف تعود إلى عصا، وسيكون هذه العصا شأن عظيم مع موسى في دعوته لفرعون كما سيأتي.
قال الله: ((سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الأُولَى))، وكلمة (سيرة) تطلق على حال الإنسان إن كانت حسنة أو قبيحة، يقال: فلان سيرته حسنة، وفلان سيرته قبيحة، فلما أخذ موسى الحية عادت إلى عصا بإذن الله تعالى.