ثم لما بين الله جل وعلا لنبيه قصة أصحاب الكهف وما لله جل وعلا من جلال الكمال ونعوت الجلال قال له: {وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا} [الكهف:27] أي: أن المستند الذي تتكئ عليه والذخر العلمي الذي تلجأ إليه هو: ما أوحاه الله جل وعلا إليك في هذا الكتاب العظيم.
قال: {وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ} [الكهف:27] وكلمات الله وصفها الله جل وعلا بأنها متضمنة لأمرين: متضمنة التضمن الأول: للأخبار، والتضمن الثاني: للأوامر والنواهي، فالأخبار لا توصف بأنها عدل، وإنما توصف بأنها صدق {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا} [الأنعام:115].
والأوامر والنواهي توصف بأنها عدل، فقول الله جل وعلا: {لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ} [الأنعام:115]، أي: لا يجوز لأحد أن يجعل من أخباره الصادقة أخباراً كاذبة، ولا من أوامره ونواهيه العاجلة أن يجعلها أموراً، أو أسئلة أو مطالب أو نواهي أو أوامر جائرة، أو ظالمة، هذا معنى قول الله: {لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا} [الكهف:27].
والميت يوضع في قبره، والقبر قسمان: شق، ولحد، واللحد هو: الميل، {وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا} [الكهف:27] مأخوذ منها، وهو اسم مفعول بمعنى: لن تجد شيئاً تميل به عن الله، وجاء هذا في القرآن معبراً عنه مرة بالملتحد، ومرة بالمحيص، ومرة بالمناص، ومرة بالموئل، وكلها بمعنى واحد.