تفسير قوله تعالى: (يوم ندعو كل أناس بإمامهم فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلاً)

ثم قال الله بعدها: {يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ} [الإسراء:71]، والسؤال هنا: ما هي المناسبة بين الآيتين؟ عندما يقول الله: {وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} [الإسراء:70] هذا يشعر بوجود التفضيل لكن هذا التفضيل هو في الدنيا، فانتقل الله في الآية بعدها إلى تفضيل أعظم يكون يوم القيامة بالأعمال، فقال: {يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ} [الإسراء:71]، اختلف الناس في معنى (إمامهم) على أقوال تحريرها ما يلي: قال بعض العلماء: إن الإمام هنا بمعنى: الكتاب، ودليلهم: آية يس: {وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ} [يس:12]، وهذا القول قال به ابن كثير، واختاره الإمام الشنقيطي رحمه الله في تفسيره.

وقال آخرون: إن الإمام هنا بمعنى: النبي، وحجتهم: {وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا} [النساء:41]، وأمثالها من الآيات.

وقيل: إمام بمعنى: الكتاب الذي أنزل على تلك الأمة، ليس الكتاب الذي دونت فيه أعمالهم، وإنما الكتاب الذي أنزل على نبي تلك الأمة، وهذا القول قال به ابن زيد -وهو أحد التابعين- واختاره ابن جرير.

وبقي قول رابع ينسب إلى محمد بن كعب القرظي أحد أئمة التفسير، فقد قال: {يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ} [الإسراء:71]، أي: بأمهاتهم.

وذهب رحمه الله - وهذا القول بعيد - إلى أن السبب في ذلك: صوناً لأولاد الطرائق غير الشرعية، وإكراماً للحسن والحسين في أنهم ينادون باسم أمهم فاطمة، وهذا كله فيه نوع من التكلف، وإن كان مقام الحسن والحسين لا يحتاج إلى دليل، لكن هذا القول فيه شيء من التكلف، وقد قلنا: إن القائل هو: محمد بن كعب القرظي، وهذا يرد عليه حديث صحيح صريح في أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يقال: هذه غدرة فلان بن فلان)، على أن الرجل ينسب إلى أبيه، لكننا حررنا الأقوال الأربعة.

قال تعالى: {يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ} [الإسراء:71]، وهذه قرينة ظاهرة لمن ذهب إلى أن الإمام هنا بمعنى: الكتاب الذي يستنسخ فيه العمل، على أنك ينبغي أن تعلم أن الإمام في اللغة: المقدم، وهي كلمة لا تحمل مدحاً ولا ذماً إلا بقرينة لصاحبها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015