تفسير قوله تعالى: (ربكم الذي يزجي لكم الفلك)

قال تعالى: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا * رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ} [الإسراء:65 - 66]، بعد أن بين جل وعلا أنه الوكيل الكافي ذكر شواهد ربوبيته، فالآية مناسبتها لما قبلها: أنها جاءت لتبين شواهد تلك الربوبية التي أشار الله إليها بقوله: {وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا} [الإسراء:65]، فقال الله: {رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي} [الإسراء:66]، ويزجي من حيث المفردات بمعنى: يسوق، لكن ينبغي أن يعلم أن تفسير القرآن ليس معاني مفردات، لكن هناك غايات مراده لله جل وعلا في طيات كتابه، والمفسر الحق من يوصل مراد الله إلى من يستمع إليه، وهذا أمر يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار.

قال تعالى: {رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ} [الإسراء:66]، وهنا تأمل عظمة الله، في حياتك الدنيا والدك يعطيك مصروفاً ثم يبعث بك إلى المدرسة لتتلقى علماً غير المصروف الذي هو منه، فالمصروف من الوالد، والعلم من المعلم، وتأخذ مالاً لتذهب إلى تاجر، فالمال منك أو من سيدك أو ممن يقوم على إعالتك، لكن ما تقتنيه وتشتريه فمن التاجر، وهذا في حياة المخلوقين بعضهم، وهذه هي قضايا القرآن التي يجب إخراجها للناس، لكن الله يقول هنا: إنه نفسه جل وعلا سخر لكم الفلك لتذهبوا في البحر، لكن في البحر لا تطعمون طعاماً من أحد غيره، فالمبتغى في البحر هو رزقه تبارك وتعالى.

فأنت بما سخره لك تذهب إلى ما هيأه لك، وهذا من أعظم الشواهد وأجل القرائن على عظمة الرب تبارك وتعالى، وأنه القائم على كل نفس.

قال: {رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ} [الإسراء:66]، والفلك معروف أنها: السفينة، ثم علل ذلك بما يناسبه فقال: {إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [الإسراء:66]، وهذه الرحمة من الرحمة العامة التي يندرج فيها البر والفاجر، والمؤمن والكافر، وليست خاصة بأهل الإيمان، فإن الله يرزق من يطيعه ومن يعصيه، قال: {لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [الإسراء:66].

طور بواسطة نورين ميديا © 2015