ونعود لقول الله جل وعلا: {وَمِنَ الأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا} [الأنعام:142]، فما يتخذ للركوب كان في الزمن الماضي يحمل أثقال الناس إلى بلد لم يكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس، كما قال الله جل وعلا.
وقد كان للنبي صلى الله عليه وسلم ناقة تسمى العضباء وتسمى القصواء، وهي التي حج عليها صلى الله عليه وسلم، وكان قد هاجر عليها، وقال يوم الهجرة: (خلوا سبيلها فإنها مأمورة)، وفي يوم الحديبية بركت، فقال الناس: خلأت القصواء، فقال صلى الله عليه وسلم: (والله ما خلأت، وما ذاك لها بخلق، ولكن حبسها حابس الفيل)، ففهم صلى الله عليه وسلم أن هذه الناقة ما خلأت إلا لأمر عظيم، فقال قبل أن يأتيه وفد قريش: (والله لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أجبتهم إليها)، ولهذا قبل صلى الله عليه وسلم الصلح.
وكان له صلى الله عليه وسلم فرس اسمه السكب، وكانت له بغلة تسمى دلدل أهداها إليه المقوقس حاكم مصر صلوات الله وسلامه عليه.
وما زال الناس في ذلك العصر يركبون الإبل والخيل والبغال حتى ظهرت دولة بني أمية، وصار هناك نوع من التلاقي الحضاري بين الشام وفارس، فعرف الناس البراذين ولم يكونوا يعرفونها والبغال الشهب ولم تكن مشهورة في الحجاز، فلما دخل معاوية رضي الله عنه المدينة على بغلة شهباء افتتن الناس بها، كمن يركب اليوم سيارة غير مألوفة، ولذلك يروى عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه وأرضاه أنه قال: إن ابن الزبير إنما أعجبته الخلافة منذ أن رأى معاوية رضي الله تعالى عنه على بغلته الشهباء.
وإن كان في إسناده إلى ابن عباس نظر.
والذي يعنينا أن الناس جبلوا على حب المتاع الدنيوي، والإنسان يستطيع أن يستغني عن هذا بأن يربي نفسه على حب القرآن، فإذا تمكن القرآن منه من قلبه فإن أمثاله من المباركين ينفضون أيديهم عما في أيدي الناس، قال الله جل وعلا: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ * لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ} [الحجر:87 - 88]، والآيات في هذا المعنى كثيرة.