وأعظم ما تنال به المراتب العالية: أن يكون الإنسان صادقاً مع نفسه، فإذا وصل الإنسان إلى مرحلة استعجال الثمرة الدنيوية واضطر إلى أن يكذب على نفسه فعما قريب سيقع في وبال عمله، وسينقطع به السبب؛ لأنه سبب لا يمكن أن يوصل، وقد أخبر صلى الله عليه وسلم بأن الكذب يهدي إلى الفجور، وأن الصدق يهدي إلى البر، فالصادقون مع أنفسهم -جعلني الله وإياكم منهم- خطاهم في الأرض ثابتة، وأثرهم في الناس واضح، ولا يلتفتون يمنة ولا يسرة.
لقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (من قال لا إله إلا الله مخلصاً من قلبه دخل الجنة، فقال أبو ذر رضي الله عنه وأرضاه: وإن زنى وإن سرق؟! قال صلى الله عليه وسلم: وإن زنى وإن سرق، قال: يا رسول الله! وإن زنى وإن سرق؟! قال عليه الصلاة والسلام: وإن زنى وإن سرق، فقال أبو ذر: وإن زنى وإن سرق؟! فقال صلى الله عليه وسلم: وإن زنى وإن سرق رغم أنف أبي ذر).
فـ أبو ذر لصدقه وجلالة قدره ورفيع مكانته وثقته بنفسه يحدث بهذا الحديث، فكان إذا أتى إلى الثالثة قال: (من قال لا إله إلا الله دخل الجنة وإن زنى وإن سرق رغم أنف أبي ذر) رغم أن جملة (أنف أبي ذر) زائدة في الخطاب ليس لها علاقة بالحكم الشرعي، فهو يقول: (وإن زنى وإن سرق رغم أبي ذر) لأنه ينقلها بصدق، وينقل للناس شيئاً ينفعهم، وأكثر ما نعانيه اليوم أننا نفتقد الصدق مع أنفسنا، فإذا افتقد الإنسان الصدق مع نفسه ولا يمكن أن يبني أحداً أو يبني أمة أو أن يسهم إسهاماً حقيقياً، فإن أسهم فإن إسهامه سيكون إلى أمد قريب ثم يقع، وقد لا يصل إلى شيء مما يريد، ولو ظهر ذلك شكلياً لنفسه أو لغيره، وليعلم أن ما عند الله لا يوصل إليه إلا بما شرع الله.
هذا ما تيسر إيراده، وتهيأ إعداده وأعاننا الله على قوله.
وصلى الله على محمد وعلى آله والحمد الله رب العالمين.