ثم قال الله تبارك وتعالى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ} [الأنعام:20] وهم اليهود والنصارى {يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} [الأنعام:20] التشبيه في قوله تعالى: (كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ) لبيان أن لديهم علماً جماً عن هذا المضمر، والخلاف عند العلماء كائن في عود الضمير، فقال بعضهم: هو عائد على النبي صلى الله عليه وسلم، أي: أن اليهود والنصارى يعرفون النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا حق.
وقال بعضهم: إن الضمير عائد على القرآن، فهم يعرفون أن القرآن من عند الله، وقال فريق من العلماء: إنه عائد على الشهادة، أي: على التوحيد.
والآية تحتمل المعاني الثلاثة كلها، والترجيح هنا يصعب، ولكن ينبغي أن يعلم أن إثبات أي واحد منها إثبات إثبات للآخرين، فإذا قلنا: إنه عائد على الرسول فهو إثبات لكون الرسول من عند الله، وأنه جاء بالتوحيد، وإذا قلنا: إنه عائد على التوحيد فالتوحيد هو مفهوم أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله، وإذا قلنا: إنه عائد على ربنا جل وعلا، فالله جل وعلا أخبر بأنه بعث رسوله بالتوحيد.