ثم قال الله جل وعلا: {قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ ثُمَّ انظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} [الأنعام:11].
والسير في الأرض إما بالأبدان، وإما بالقلوب والأبدان.
فإذا سار الإنسان في الأرض ببدنه لا بقلبه فقد تقر عينه بما ترى، ولكنه لا ينتفع، وأما إذا سار ببدنه وقلبه انتفع فذوو الأبصار والألباب المحمودون والممدوحون شرعاً يسيرون في الأرض بقلوبهم وأبدانهم، وهذا السير هو المقصود في الخطاب الشرعي هنا، حيث قال تعالى: {قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ} [الأنعام:11]، أي: بقلوبكم وأبدانكم {ثُمَّ انظُرُوا} [الأنعام:11] بأبصاركم {كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} [الأنعام:11].
فإذا نظرتم بأبصاركم وقلوبكم اعتبرتم بما رأيتم، والله تعالى قد قال: {وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ} [الحجر:76]، فذكر قوم لوط وأنهم أهلكوا، وقوم صالح وأنهم أهلكوا، ثم بين أن آثارهم ما زالت بطريق مقيم، أي: ما زالت باقية، مع أنه تعالى أذهب آثار بعض الأمم بالكلية ليظهر من ذلك عظيم قدرته، فكم من أمم ذكرها الله في القرآن لا نعلم أين كانت ولا نرى لها أثراً، وكم من أمة في القرآن ذكرها الله جل وعلا ما زالت آثارها باقية، ولهذا قال الله: {مِنْهَا قَائِمٌ} [هود:100]، يعني: منها ما زال قائماً، كآثار ثمود والبحر الميت الذي كان موضع قرى قوم لوط {وَحَصِيدٌ} [هود:100] أي: لم يدل عليه أثر.
والمقصود من الآيتين: {وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون * قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ ثُمَّ انظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} [الأنعام:10 - 11]، تعليم النبي صلى الله عليه وسلم ذكر العظة والاعتبار وتسليته، وهذه مقاصد شرعية تناولها القرآن واعتنى بها، ومن ذلك تعليم هؤلاء المخاطبين الأولين بالقرآن وهم كفار قريش بنحو قوله تعالى: {قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ ثُمَّ انظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} [الأنعام:11].