والآن نزدلف إلى قول الله جل وعلا: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة:218]، بدءاً قال ابن سعدي رحمة الله تعالى عليه: هذه الثلاث هي قطب رحى الدين، وعنوان السعادة، فمن وفقه الله للقيام بالإيمان والهجرة والجهاد فقد وفق لقطب رحى الدين، وعنوان السعادة؛ لأن أي عمل صالح بعد هذه الثلاث أهون منها، ومن قدر على العظيم قدر على اليسير، فأما الإيمان فأكبر دلائل فضله أن الله جعله قسيماً بين أهل الجنة وأهل النار، {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لا يَسْتَوُونَ} [السجدة:18]، وأما الهجرة فليس المراد بها هجران الذنوب، ولكن المراد هجرة الشيء المألوف المحبوب، كهجرة الوطن، والمال، والخلان، ومن تركن إليهم؛ من أجل الله، وأما الجهاد فإن التلبس به من أعظم ما يدل على أن الإنسان يقمع أعداء الدين، وبوده أن ينتشر الإسلام، فالصورة الأولى لانتشار الإسلام هي الجهاد، وهذا أمر لا ينبغي أن يتغير بالظروف وبالأحوال؛ لأن من تتبع السنة الصحيحة والسيرة العطرة لرسولنا صلى الله عليه وسلم سيجد عياناً بياناً أن السبب الأعظم لانتشار الدين هو الجهاد في سبيل الله، فيقول الله جل وعلا: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ} [البقرة:218].