قال الله جل وعلا بعد ذلك: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ} [البقرة:214]، فـ (أم) هنا بمعنى بل، والمقصود منها الإضراب، أي: الانتقال من خطاب إلى خطاب آخر، {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ} [البقرة:214].
و (لما) أخت للم، إلا أن الفرق بينهما أن (لم) نفي للشيء الذي لا يترقب وقوعه، في حين أن (لما) نفي لحصول الشيء الذي يترقب وقوعه، فكون هذه الأمة ستبتلى بالبأساء والضراء هذا مما يترقب وقوعه، قال الله جل وعلا: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ} [البقرة:214].
ما الذي أتاهم؟ قال الله: {مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ} [البقرة:214]، والفرق بين البأساء والضراء أن البأساء: هي ما يصيب الإنسان في غير ذاته، مثل: التهديد الأمني، الإخراج من الديار، نهب ماله، فهذا كله يسمى بأساء.
والضراء: هي ما يصيب المرء في نفسه، مثل: الأمراض والجراح والقتل، {وَزُلْزِلُوا} [البقرة:214]، وأصل الزلزلة التحريك، والمقصود أنهم ابتلوا بأنواع البلايا، {حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ} [البقرة:214]، ليس المقصود من (متى) هنا الاستفهام المجرد، وإنما المقصود استجداء نصر الله، ثم قال الله: {أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} [البقرة:214]، وليس بعد العسر إلا اليسر: وراء مضيق الخوف متسع الأمنِ وأول مفروح به غاية الحزنِ ألم تر أن الله ملّك يوسفَ خزائنه بعد الخلاص من السجنِ