تفسير قوله تعالى: (وأتموا الحج والعمرة لله)

قال الله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة:196].

اختلف العلماء هنا في معنى الإتمام, فذهب ابن عباس إلى أن المقصود بالإتمام: أن تحج وتعتمر من دويرة أهلك.

وأكثر المفسرين على أن المقصود: إذا شرعت في حج وعمرة ولو كانا نفلين فيجب عليك أن تتمهما.

{فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة:196].

مجمل ما دلت عليه الآيات ما يلي: الإحصار، وهو في اللغة: الحبس والمنع, لكن هل يكون الإحصار بغير العدو، أم لا يسمى إحصاراً إلا بالعدو؟ اختلف العلماء في ذلك: فذهبت طائفة إلى أن الإحصار الذي جاءت به الآية لا يكون إلا بالعدو, ودليلهم قوله تعالى: {فَإِذَا أَمِنتُمْ} [البقرة:196]، والأمن لا يكون إلا من خوف عدو.

وأجمل الأقوال أن يقال: إن الآية جاءت في حصر العدو, لكن كل ما نجم عنه حرج وضيق وحبس عن البيت فيقاس عليه قياساً جلياً لا شبهة فيه, وهذا حتى نخرج من نزاع العلماء.

فإن أحصر الإنسان عن الوصول إلى البيت لأي سبب كان فإن الله يقول: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة:196]، والهدي: هو ما يساق ويقرب ويذبح في مكة من بهيمة الأنعام، فأعلاه بدنه وأدناه شاة.

قوله: {فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة:196].

اختلف العلماء في المقصود بمحل الهدي: فقال بعضهم في الإحصار: إن دم الإحصار حيثما أحصرت، وقال آخرون: يبعث بالهدي إلى الحرم، فلا يكون منه حج حتى يصل الهدي إلى محله، وذهبوا إلى أن المقصود بأن الحرم هو محل الهدي؛ لقول الله جل وعلا: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة:95]، وقول الله جل وعلا: {ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج:33] والمراد مكة.

والأصل أن منى هي الأصل في النحر وإن دخلت في مكة, هذا قول.

والذين قالوا: إن دم الإحصار يكون في موطن الإحصار استدلوا بقوله تعالى: {حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة:196].

طور بواسطة نورين ميديا © 2015