قال الله تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انتَهَوْا فَلا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ} [البقرة:193].
قوله: {حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ} [البقرة:193] قال العلماء: حتى لا يكون تقول ينجم عنه اضطهاد الناس في دينهم, ولما حصلت ولاية ابن الزبير اقتتل الناس كثيراً مع أتباع يزيد، وجيء لـ عبد الله بن عمر الصحابي المعروف, ابن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقيل له: ألا تقاتل والله يقول: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ} [البقرة:193]؟ فقال رضي الله عنه وعن أبيه: لقد قاتلنا حتى لا تكون فتنة وكان الدين لله -يقصد: أيام النبي صلى الله عليه وسلم-، وأنتم اليوم تقاتلون حتى تكون فتنة, وشتان ما بين القتالين.
قوله: وأنتم -يخاطب الخوارج- تقاتلون اليوم حتى تكون فتنة.
ومعلوم أن هذا حصل أيام عبد الله بن الزبير ويزيد بن معاوية، وأيام خروج عبد الله بن الزبير على يزيد، فقد أرسل يزيد مسلم بن عقبة المري , وأراد أن يرسل أولاً عبيد الله بن زياد , لكن عبيد الله بن زياد باء بمقتل الحسين , فأراد أن يبعثه يزيد إلى مكة، لكنه أخذ درساً من الأولى, فقال -أي: عبيد الله بن زياد -: والله لا أبوء بهما جميعاً, أي: قتل الحسين وغزو مكة، اعفني, فسلم القيادة لرجل اسمه مسلم بن عقبة المري، وكان شيخاً كبيراً في السن, فبدأ بقتال أهل المدينة, ثم انتقل إلى ابن الزبير، فقاتل أهل المدينة حتى وقعت موقعة الحرة، فأسماه أهل المدينة مسرفاً بدلاً من مسلم , يقول قائلهم: هم منعوا ذماري يوم جاءت كتائب مسرف وبني اللكيعة وعلى يده استبيحت المدينة، ثم أراد أن يتوجه إلى مكة -وقلنا: إنه خرج وهو شيخ كبير- فمات, فوكلت القيادة إلى غيره, ومات يزيد بعده أو قبله.
المهم أنه قبل أن يصل جيش الشام إلى مكة مات يزيد، وأعلن ابن الزبير رضي الله تعالى عنه الخلافة على الحجاز, وتبوأ الخلافة في الشام معاوية بن يزيد، ثم مروان بن الحكم، ولما ولي سب ابن زوجته, وهو شاب نشأ في حجره، فلما سبه وعيره بأمه التي هي زوجته -وهذا الابن من رجل آخر- ذهب الرجل يشتكي مروان بن الحكم عند أمه, فاغتاضت الزوجة وقالت له: إنه لن يسمعك إياها بعد اليوم, يعني: بيتت قتله، فلما قدم إليها قتلته خفية في داره، وذلك أنها اجتمعت عليه هي وخدمها، فلما مات مروان أعلن عبد الملك الخلافة له, فانتقلت الخلافة -كما يقول المؤرخون- من البيت السفياني إلى البيت المرواني نسبة إلى مروان بن الحكم، فصار الأمويون بعدها يقال لهم: بنو مروان، وهذا معنى قول شوقي: مررت بالمسجد المحزون أسأله هل في المصلى أو المحراب مروانُ فيقصد بالمصلى والمسجد مسجد بني أمية.
فلما ولي عبد الملك أمر الحجاج فحاصر ابن الزبير في مكة، وضربها بالمنجنيق حتى احترقت أستارها، وهو لا يريد حرق الكعبة فهذا كفر، لكنه أراد قتال ابن الزبير، حتى قتل ابن الزبير رضي الله عنه وآل الأمر إلى الحجاج، وبالتالي إلى عبد الملك بن مروان.