إذا ضعف إيمان العبد -وهذا إذا تأملته في الناس تجدها ظاهراً- وشعر بالنقص في أي مكان ترقب الناس فيه كمالاً ثم وقع منه نقص أو هفوة أو جموح أو عدم وصول إلى مقصود فإنه تضطرب نفسه، فإذا اضطربت نفسه جمحت إما لسيئ الأفعال أو الأقوال، فإن كان تقياً ألجمته التقوى ألا يخرج منه ما ليس محموداً؛ ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام في المنافق: (إذا خاصم فجر)؛ لأنه يشعر بالغلبة فتؤزه نفسه إلى أن ينتصر، ولا يوجد لجام من التقوى، فيحصل فجور في الخصومة، فـ شوقي -رحمه الله وعفا عنه- عندما قال هذه القصيدة وخانه إمكانه، وعقه قريضه، ولم يستطع أن يقل شيئاً يرقى إلى ما رأد أن يرثي به مصطفى كامل، جنح إلى الآثام فقال: لو كان في الذكر الحكيم بقية لم تأت بعدُ رُثيت في القرآن مصر الأسيفة ريفها وصعيدها قبر أبر على عظامك حاني أقسمتُ أنك في التراب طهارة ملَك يهاب سؤاله الملكان وهذا فحش من القول وكفر، لكن ما الذي دفع شوقي إليه؟ هو إباء كبره الشعري إلا أن يظهر، وقلت: لا لجام تقوىً حقيقي يمنعه فأطلق لنفسه العناء، وهذا قابل لأن يعترينا جميعاً، ولذلك لا لجام مثل لجام التقوى، ولما مر عمر رضي الله عنه على تلك المرأة فسمعها تقول: تطاول هذا الليل واسود جانبه وأرقني ألا حبيب ألاعبه فوالله لولا الله لا شيء غيره لحرك من هذا السرير جوانبه مخافة ربي والحياء يكفني وإكرام بعلي أن تنال مراكبه ففي هذه الأبيات أمور غير مقبولة، لكن لما ذكرت مخافة الله قال عمر رضي الله تعالى عنه: نعم اللجام لجام التقوى.
فأنت عندما تريد أن تنشئ أحداً تحت عينيك: ابنك أو طالبك فإنك لن تسقيه شيئاً أعظم من لجام التقوى، وأما المعلومات والمعارف فسيصل إليها ذات يوم، لكن أعطه المنهج العام والطرائق التي يصل بها إلى مقصوده، ثم عظم الله جل وعلا في قلبه، وليكن خطابك الدعوي والعلمي مبني على أن تعظم الله جل وعلا في القلوب، وأما المعلومات والمعارف، أو نثر الأحكام، أو رفع الصوت في الوعظ فهذا كله لا يقدم ولا يؤخر إن كان الذي تخاطبه محروماً من معرفة الله جل وعلا؛ إذ أن القضية عنده ليست قضية علم، وإنما هي قضية ألا لجام من التقوى يمنعه من أن يصل إلى المعاصي.