قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} [البقرة:161]، قول ربنا: {وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ} [البقرة:161] هذا قيد لا ينبغي اطراحه، فاللعنة لا تكون لازمة لأحد ولو كان متلبساً بالكفر حتى يموت على الكفر؛ لأن الله قال في قيده {وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ} [البقرة:161] لكن هذا لا يعني أنه لا يجوز لعنهم وهم أحياء، والفرق بين الأمرين أننا لا نقول: نحن يائسون من إيمانه أو أننا نحكم عليه بأنه مطرود من رحمة الله حتى يموت على الكفر.
أما اللعنة العارضة فقد قال السلف كما روى مالك في الموطأ عن أحدهم: ما أدركت الناس إلا وهم يلعنون الكفرة في رمضان، وقد قال البعض إن هذا من حيث العموم لا من حيث التعيين، وللحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى كلام في الفتح دقيق في هذه المسألة، وهو أن الأصل أن من جاز قتاله جاز لعنه، فلعنه من باب طرده وإبعاده لا بأس به، أما الحكم عليه بأنه في النار من معنى اللعن العام بأن الله قد طرده من رحمته وأقصاه من جنته فهذا لا يحكم به عليه حتى يموت وهو كافر، وهو معنى قول الله جلا وعلا: {وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} [البقرة:161].
ومما يدل على صحة هذا الرأي قوله بعدها: (خالدين فيها)، فهذا الخلود لا يكون إلا بعد الموت على الكفر، لكن قد تكون هناك لعنة دون اللعنة العامة الكبيرة وهي الطرد من رحمة الله، والنبي صلى الله عليه وسلم غلظ في مسألة اللعن وقال: (لا تصحبنا ناقة ملعونة)، ولما صلى صلى الله عليه وسلم بالناس صلاة الاستسقاء ثم حذرهم ووعظهم بعدها أمر النساء أن يتصدقن، وقال لهن: (إنكن أكثر أهل النار! قلن: يا رسول الله! بم ذاك؟! فقال عليه الصلاة والسلام: إنكن تكثرن اللعن وتكفرن العشير)، فقوله عليه الصلاة والسلام تكثرن اللعن: دليل على أن الإكثار من اللعن من أسباب سخط الله جلا وعلا وعذابه أعاذنا وإياكم منه! والعاقل لا يعود نفسه على اللعن.
{خَالِدِينَ فِيهَا لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلا هُمْ يُنظَرُونَ} [البقرة:162] ينظرون هنا: بمعنى يمهلون؛ لأنه دائم، والإمهال كان في الدنيا وقد فات بموتهم على الكفر.