تفسير قوله تعالى: (ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفاراً)

قال الله تعالى: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنفُسِهِمْ} [البقرة:109]، هذه الآية سبقت في اللقاء الماضي، في تفسير قول الله جل وعلا: {مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا} [البقرة:105]، لكنه صرح هنا بالحسد، والحسد يقع محققاً ويقع مقدراً، فالحسد المقدر هو حسدك من لم تصبهم نعمة بعد، وهو أشنع، والحسد المحقق هو حسدك لمن أصابته النعمة فتحب أن تزول عنك.

ثم قال الله جل وعلا: {فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا} [البقرة:109]، ما أقربها مما قبلها! هذه من الآيات المنسوخة، قوله: {فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا} [البقرة:109] منسوخة بآية السيف في قول الله تعالى: {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ} [البقرة:191]، وفي قوله تبارك وتعالى في حق أهل الكتاب: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ} [التوبة:29] إلى أن قال: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة:29]، وقوله: {فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ} [البقرة:109] يدل على أنها منسوخة، فقد أتى الله بأمره في سورة التوبة.

{إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة:109] وهذا من تربية القرآن للمسلمين، عندما يعطيهم الأحكام ينبهم أن لا ينشغلوا عن الأعمال الصالحة، فبعد أن بين لهم طرائق أهل الكتاب وبين أن القرآن من عند الله وأن الرب تبارك وتعالى ينسخ ما يشاء ويثبت ما يشاء، قال جل وعلا: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ} [البقرة:110] أي: أن معاقد الفلاح أيها العباد الصالحون محصورة في القيام بالأعمال الصالحة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015