وهنا تنبيه مهم جداً وهو: أن تطهير الباطن يعين على حفظ القرآن الكريم، فأحد أسباب تفسير حفظ القرآن أن يطهر الإنسان باطنه، ويطهر قلبه، ويصفي نيته؛ لأن الله سبحانه وتعالى قال: {لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة:79]، يعني: الملائكة، وقيل: إن قوله سبحانه: {لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة:79]، يعني: من المؤمنين، فلا يجوز مسه لمن كان به حدث مثلاً، بدليل قوله: ((تَنزِيلٌ))، فهو وصف بأنه تنزيل من رب العالمين، فاستأنسوا بكلمة (تنزيل) أن المقصود به: القرآن الذي أنزل.
يقول ابن القيم: ودلت الآية بإشارتها وإيمائها على أنه لا يدرك معانيه ولا يفهمه إلا القلوب الطاهرة، وحرام على القلب المتلوث بنجاسة البدعة والمخالفات أن ينال معانيه، وأن يفهمه كما ينبغي.
قال البخاري في الصحيح في هذه الآية: لا يجد طعمه إلا من آمن به.
وهذا أيضاً من إشارة الآية وتنبيهها، وهو أنه لا يلتزم به وبقراءته وفهمه وتدبره إلا من شهد أنه كلام الله تكلم به حقاً، فأنزله على رسوله وحياً، ولا ينال معانيه إلا من لم يكن في قلبه حرج منه بوجه من الوجوه، فمن لم يؤمن بأن الله سبحانه وتعالى تكلم به وحياً وليس مخلوقاً من جملة مخلوقاته ففي قلبه منه حرج.
ومن قال: إن له باطن يخالف ظاهره، وتأويل يخالف ما يفهم منه، ففي قلبه منه حرج.
ومن قال: إن له تأويل لا نفهمه ولا نعلمه وإنما نتلوه متعبدين بألفاظه ففي قلبه منه حرج.
ومن سلط عليه آراء الآرائيين وهذيان المتكلمين، وسفسطة المسفسطين، وخيالات المتصوفين ففي قلبه منه حرج.
ومن جعله تابعاً لنحلته ومذهبه وقول من قلده دينه؛ ينزله على أقواله ويتكلف حمله عليها ففي قلبه منه حرج.
ومن لم يحكمه ظاهراً وباطناً في أصول الدين وفروعه، وينقاد لحكمه أين كان ففي قلبه منه حرج.
ومن لم يأتمر بأوامره، وينزجر عن زواجره، ويصدق جميع أخباره، ويحكم أمره ونهيه وخبره، ويرد له كل أمر ونهي وخبر خالفه ففي قلبه منه حرج.
وكل هؤلاء لم تمس قلوبهم معانيه، ولا يفهمونه كما ينبغي أن يفهم، ولا يجدون من لذة حلاوته وطعمه ما وجده الصحابة ومن تبعهم.