وجوب إعطاء القرآن الكريم الأولوية المطلقة في طلب العلم

نعيد التنبيه على وجوب إعطاء القرآن الأولوية المطلقة في طلب العلم، حتى لو كان الإنسان قد كبر في السن؛ لأن كل حرف من القرآن تقرؤه فأنت تتعبد بتلاوته، فحفظ القرآن ليس كحفظ غيره من العلوم، فهل الثواب الذي تناله من حفظ القرآن مثل الثواب الذي تناله من حفظ متن في الفقه أو الأصول أو منظومة في النحو أو غيرها من العلوم؟ فلا شك أن حفظ القرآن له المزايا العظيمة؛ لأنه كلام الله سبحانه وتعالى، وكل هذه الفضائل لا يمكن تحصيلها من غير كلام الله عز وجل، فلا ينبغي أبداً أن ينشغل الإنسان بالمفضول عن هذا الفاضل.

وقد روى ابن المديني عن عبد الوهاب بن همام عن ابن جريج قال: أتيت عطاء وأنا أريد هذا الشأن - أي: الحديث والعلم- وعنده عبد الله بن عبيد بن عمير، فقال لي ابن عمير: قرأت القرآن -يعني: حفظت القرآن-؟ قلت: لا، قال: اذهب فاقرأه، ثم اطلب العلم، فذهبت زماناً حتى قرأت القرآن، ثم جئت عطاء وعنده عبد الله، فقال: قرأت الفريضة؟ قلت: لا، قال: فتعلم الفريضة ثم اطلب العلم.

والفريضة هي المواريث؛ لأن هذه من العلوم الأساسية التي تكاد تنقرض الآن.

قال: فطلبت الفريضة، ثم جئت، فقال: الآن تطلب العلم.

وقال أبو العيناء: أتيت عبد الله بن داود فقال: ما جاء بك؟ قلت: الحديث -أي: أريد طلب الحديث- قال: اذهب فتحفظ القرآن؟ قلت: قد حفظت القرآن، قال: اقرأ {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ} [يونس:71]، فقرأت العشر حتى أنفذته، فقال لي: اذهب الآن فتعلم الفرائض -المواريث- قلت: قد تعلمت الصلب والجدة والكبر -أي: مسائل الفرائض الكبرى- قال: فأيما أقرب إليك ابن أخيك أو عمك؟ قال هذا ليمتحنه.

قال: قلت: ابن أخي، قال: ولمَ؟ قلت: لأن أخي من أبي وعمي من جدي، قال: اذهب الآن فتعلم العربية، قال: قد علمتها قبل هذين، قال: فلمَ قال: عمر حين طعن (يا لَله ولِلمسلمين)؟ يعني: فتح اللام الأولى (لله) وكسر اللام الثانية (للمسلمين) قال: لمَ فتح تلك وكسر هذه؟ قلت: فتح تلك اللام -يا لله- على الدعاء، وكسر هذه -للمسلمين- على الاستغاثة؛ لأن المكسورة للاستغاثة والانتصار، فبعد كل ذلك قال: لو حدثت لحدثتك.

يعني: أنه حتى الآن يراه غير أهل للتحديث، لكن يقول: لو كان لي أن أحدث أحداً لاخترتك أنت كي أحدثك، وأبى أن يحدثه أيضاً.

قال أبو عمر بن عبد البر رحمه الله تعالى: طلب العلم درجات ورتب لا ينبغي تعديها، ومن تعداها جملة فقد تعدى سبيل السلف رحمهم الله، ومن تعدى سبيلهم عامداً ضل، ومن تعداه مجتهداً زل.

إذاً: أول العلم حفظ كتاب الله عز وجل وتفهمه، وكل ما يعين على فهمه فواجب طلبه.

ولا نقول إن حفظه كله فرض على كل الناس، ولكن نقول: إن ذلك واجب لازم على من أحب أن يكون عالماً.

فمن حفظه قبل بلوغه ثم فرغ إلى ما يستعين به على فهمه من لسان العرب، كان ذلك له عوناً كبيراً على مراده منه ومن سنن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015