حفظ القرآن شرف ليس بعده شرف، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً، ويضع به آخرين)، يعني: بإيمانهم.
فمن أعظم الشرف أن يجعل الله سبحانه وتعالى صدرك مستودعاً لكلامه، وإذا نلت حفظ القرآن الكريم فهذا أعظم من مليون شهادة دكتوراه؛ لأن هذا هو الشرف الحقيقي، وهذا هو الذي ينفعك في الدنيا، وينفعك في قبرك، وينفعك في الآخرة، يكفي أن تتخيل أن الملائكة يوم القيامة تضعك أمام اختبار، كما قال صلى الله عليه وسلم: (يقال لصاحب القرآن: اقرأ، وارتق، ورتل، فإن منزلتك عند آخر آية كنت تقرؤها)، أو كما قال صلى الله عليه وآله وسلم.
فإذا نلت حفظ القرآن الكريم فهذا أعظم من ملايين شهادات الدكتوراه، وهذا أعظم من ملايين الدولارات والجنيهات والذهب، وأنت ستكون أغنى خلق الله سبحانه وتعالى بالقرآن الكريم؛ ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: (من لم يتغن بالقرآن فليس منا)؛ لأن القرآن فيه الغنى كل الغنى، ولذلك نجد الشريعة الشريفة قد وضعت أحكاماً خاصة لحفظة القرآن تميزهم بها عمن عداهم، فمثلاً: الإمارة تكون لمن هو أحفظ، ولما استعرض النبي صلى الله عليه وآله وسلم مجموعة من الشباب كان فيهم رجل يحفظ سورة البقرة، وكان الآخرون يحفظون مما عداها، فجعله أميراً عليهم.
أي: أنه قدمه عليهم لحفظه سورة البقرة.
وهكذا أحق الناس بأشرف الأماكن في الصف الأول حملة كتاب الله؛ ولذلك كان صلى الله عليه وسلم يقول: (ليلني منكم أولو الأحلام والنهى)، فيقدم في الإمامة ويقدم في الصف الأول وراء الإمام من هم أكثر حملاً لكتاب الله عز وجل.
حتى عند الدفن يقدم حافظ القرآن الكريم، فإذا وجد أكثر من ميت أو شهيد يدفنون جميعاً فيقدم الأكثر حفظاً للقرآن، ثم الذي يليه.
فالنصيحة المهمة جداً هي: أن يغتنم المسلمون سني الحفظ الذهبية، وهي من خمس سنوات إلى ثلاث وعشرين سنة، ولا ييأس من تجاوز هذا السن، فمن بعد ثلاث وعشرين هناك الفضية والنحاسية وهكذا.
فالفترة الذهبية هي هذه الفترة العظيمة، وكلما كان الحفظ مبكراً كان أعظم وأسهل؛ لأن من يحفظ في الصغر يختلط القرآن بلحمه ودمه، ويثبت في قلبه ثبوتاً عظيماً جداً.
فالطفل قد لا يدرك مصلحته، لكن الأب مهمته أن يقيه النار، وأن يسهل له طاعة الله سبحانه وتعالى، وأن يحسن تربيته، وينبغي أن يجعل هذا الهدف هو الهدف الأساس والرئيس في خططه في تربية أولاده، فإذا وجد الطفل النابغة الذي عنده القدرة على الحفظ فينبغي الاهتمام به، وهذه القدرة موجودة عموماً في الأطفال، لكن هناك أطفالاً يتميزون، فخسارة كبيرة جداً أن نشغلهم بالأناشيد، فضلاً عن الإعلانات والقصص الكاذبة والأغاني وغير ذلك، وإنما ينبغي أن يصرف الاجتهاد كله إلى تحفيظهم كلام الله تبارك وتعالى.