اتفق الناصحون في هذا الباب على أن أول العلم: حفظ كتاب الله تبارك وتعالى.
وسبق أن تكلمنا في محاضرة (لمن تقرأ وماذا تقرأ) وقلنا: إنه لابد لطالب العلم من وظائف مع القرآن الكريم.
الوظيفة الأولى: ختم القرآن الكريم، فعلى طالب العلم أن يختم القرآن بطريقة دورية ثابتة، وأن يكون له ورد يومي وحزب دائم من القرآن الكريم، ويتفاوت مقدار هذا الحفظ حسب ظروف كل إنسان، فالناس ليسوا كلهم على درجة واحدة من الاستعداد والظروف، فهناك التاجر، والطالب، والمدرس، والمتفرغ لطلب العلم، فبلا شك أن حظوظهم تتفاوت بحسب ظروفهم.
ولا تتحرجوا من كلمة (ورد) فهي ليست حكراً على الصوفية، ولا كلمة (حزب) بل هذه ألفاظ شرعية مأثورة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فإنه عليه الصلاة والسلام حينما تأخر على قوم كانوا ينتظرونه قال: (كان حبسني ورد أو حزب من القرآن، فكرهت أن أخرج حتى أتمه)، وجاء أيضاً عن عمر رضي الله تعالى عنه قال: (من فاته ورده من الليل فليقضه إذا أصبح بالنهار).
الشاهد: أن الورد أو الحزب أو القدر المعين الذي تحدده لنفسك كل يوم ينبغي أن تحافظ عليه، وينبغي أن يكون لكل واحد ورد ثابت من القرآن الكريم؛ بحيث يختم القرآن، وسنتكلم على المدد المقترحة بذلك إن شاء الله تعالى، فهناك ورد الختم، وهناك ورد المراجعة، وهناك حفظ ما لم يحفظه من كلام الله تبارك وتعالى.
وأما الصحابة رضي الله تعالى عنهم فكانوا يحزبون القرآن على سبعة أيام، حسب ترتيب السور، فكانوا يبدءون بالثلاث السور الأولى من القرآن الكريم بعد الفاتحة: البقرة وآل عمران والنساء، ثم في اليوم الثاني يقرءون قدرها، ثم اليوم الثالث كذلك، وهكذا، ثم حزب المفصل يجعلونه في اليوم السابع وحده، وهو الحزب الذي يبدأ بسورة (ق) وينتهي بسورة (الناس).
وأيضاً: مراجعة المحفوظ، فلابد أن يكون للإنسان نظام معين في المراجعة؛ حتى لا يتفلت منه القرآن، وهذا ما سنشير إليه بإذن الله فيما بعد.
أما فيما يتعلق بالوظيفة الثالثة: فهي حفظ ما لم يحفظه من القرآن الكريم، ولا شك أن الحفظ يحتاج إلى همة عالية، وأفضل شيء في فترة الحفظ أن يتفرغ تماماً لحفظ القرآن الكريم، ولا يشتت همته، فلا يقرأ في الحديث أو الفقه أو غيره من العلوم في آنٍ واحد؛ فأمامك هدف محدد، وهذا الهدف مطلوب أن تسابق به الزمن؛ والصغير كلما اشتغل بحفظ القرآن مبكراً كان أسهل عليه؛ لأنه لا هموم ولا مشاغل ولا مسئوليات عليه، فيكون ذهنه صافياً؛ فيستطيع أن يحفظ بسرعة.
فأعظم هدية يقدمها الأب إلى ولده أن يؤدبه بأن يحفظه القرآن الكريم، ويشغله بالقرآن بقدر استطاعته، ولا يشتت عليه نفسه إذا كان قد انتدب نفسه لهذه المهمة العظيمة.