من أسباب انحطاط الهمم: العشق، ووقوع الإنسان في أسر العشق، ولا شك أن هذا الموضوع يطول فيه الكلام جداً، وهو من البلاء الذي تجند من أجله الآن هيئات وأموال، ولأن كل شاب يتمنى أن تكون في حياته فتاة يتخيلها ويتغنى بها، وينشد لها الأشعار والأغاني، ويزعم أن هذا هو الوضع الطبيعي؛ محاكاة لأحوال الكفار.
وفي الحقيقة أن هذا الموضوع موضوع كبير؛ لكن لأنه ليس عاملاً أساسياً فسوف نشير إشارة عابرة؛ فالعشق يسفل الهمة؛ لأن هذا العاشق تستنفذ كل طاقاته في تحصيل محبوبته، وكل همته أنه يراها، أو يقابلها، أو يحصل منها على كذا أو كذا، فكل همته تتجه إلى هذا الشيء، وكل حياته تطوف حول محور معين ألا وهو المعشوق.
فالشاهد: أن همة العاشق تنحصر في أن يحصل ما يحبه، فيلهيه ذلك عن حب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم: {بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا} [الكهف:50].
فعالي الهمة يأنف ويستنكف أن يستأسره العشق الذي يمنع القرار، ويسلب المنام، ويولع العقل، ويحدث الجنون، وكم من عاشق أتلف في معشوقه ماله وعرضه ونفسه! وأتلف دينه ودنياه! والعشق يترك الملك مملوكاً، والسلطان عبداً، وترى الداخل فيه يتمنى منه الخلاص ولات حين مناص، وكم أكبت فتنة العشق رءوساً على مناخرها في الجحيم! وأسلمتهم إلى مقاساة العذاب الأليم، وجرعتهم من بين أصناف النار كئوس الحميم.
فالحقيقة أن العشق أخطر من ذلك، ويحتاج إلى أكثر من عبارة حتى نعطيه حقه، لكن هذه إشارة عابرة المقصود بها الإشارة إلى تأثير العشق في الهمة، وأنه في الغالب يثبط الهمة، إلا إذا صادف عشقاً مباحاً، وهو عشق الزوجة، فلم ير للمتحابين مثل النكاح؛ لأنه حصلها في هذه الحالة، وصارت تحت سلطانه، أما خلاف ذلك فالأحوال كما تعرفون.