تعالوا نتحسر على أنفسنا حينما نرى أحوال السلف الصالح رحمهم الله تعالى، يقول الفضيل بن عياض: أعرف من يعد كلامه من الجمعة إلى الجمعة.
يعني: يقدر يعد كم كلمة تكلمها من الجمعة إلى الجمعة التي تليها! أي: أنه حارس على لسانه حتى على عدد الكلمات التي يتكلمها.
ودخلوا على رجل من السلف فقالوا له: لعلنا شغلناك؟ قال: أصدقكم؛ كنت أقرأ فتركت القراءة لأجلكم.
يعني: أنتم عطلتموني عن الخير.
وجاء عابد إلى السري السقطي فرأى عنده جماعة فقال: صرت مناخ البطالين؟! ثم مضى ولم يجلس.
أي: صرت المستظل الذي يجلس عنده أهل اللهو والغفلة، فرفض أن يجلس معه.
وقعد جماعة عند معروف الكرخي فأطالوا القعود، فقال لهم: إن ملك الشمس لا يفتر عن سوقها، فمتى تريدون القيام؟ وقال بعض السلف: من فاتته ركعات الفجر فليلعن الثقلاء.
يعني: الذين يزورون الإنسان بعد العشاء، ويسهرون معه حتى يعطلوه عن ركعتي الفجر.
وقال بعض السلف: إذا طال المجلس صار للشيطان فيه نصيب.
يعني: أن المجلس يكون بقدر الحاجة، فإذا كنت في صلة رحم أو عيادة مريض أو غير ذلك من الأسباب فعليك أن تقضي حاجتك وتنصرف، أو تجتمع معه على طاعة كقراءة كتاب أو مسألة علمية أو حفظ قرآن أو تسميع قرآن أو ذكر لله عز وجل، أما ما سوى ذلك وقد قضيت حاجتك فالجلوس إذا طال صار للشيطان فيه نصيب؛ لأنه سوف ينشغل الإنسان بعد ذلك بالغيبة وبالنميمة وبالكلام فيما لا ينفع ولا يجدي.
ولذلك قال الحسن أيضاً: نفسك إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل.
وكان عثمان الباقلوي دائم الذكر لله تعالى، فقال: إني وقت الإفطار أحس بروحي كأنها تخرج؛ لأجل اشتغالي بالأكل عن الذكر.
وأوصى بعض السلف أصحابه فقال: إذا خرجتم من عندي فتفرقوا؛ لعل أحدكم يقرأ القرآن في طريقه، ومتى اجتمعتم تحدثتم.
فهذه نصيحة ذهبية للإخوة نرجو أن يلتزموا بها، فإذا كنت أيها الأخ! في المسجد فصليت وقضيت حاجتك أو حضرت درس العلم فامش وحدك؛ لأنك إن كنت وحدك فممكن أن تسمع القرآن وأنت تمشي، وأن تذكر الله سبحانه وتعالى.
أما إذا مشى معك أحد فإنه يعطل بعضكم بعضاً، فإن كنتم تمشون جماعة لكن كل واحد ينشغل بذكر فلا بأس، أما أن جماعة يمشون ويتكلمون في كلام لا يفيد فالوحدة أفضل من هذه الجماعة.
وجليس الخير خير من قعود المرء وحده، ووحدة الإنسان خير من جليس السوء.