ثم شرع الشيخ الترجمان في ذكر طرف من أخبار الدولة الحفصية التي خدم في ديوانها، ثم أردفها بأبواب تسعة في الكتاب تكلم فيها عن كتب الأناجيل الأربعة متى، ومرقس، ولوقا، ويوحنا، وأكد فيها أنهم ليسوا من حواري المسيح عليه السلام بأدلة علمية دقيقة، ثم ناقش قضايا التعميد الذي هو التغطيس، والأقانيم، والخطيئة الأولى، والعشاء الرباني، وصك الغفران، وقانون الإيمان، وفندها كلها بنصوص الأناجيل وبأدلة العقل والمنطق.
ثم أثبت بشرية المسيح عليه السلام، ونفى إلاهيته المزعومة، ثم عرض التناقضات في نصوص الأناجيل المحرفة، ثم تعرض لما يعيبه النصارى على المسلمين، كزواج العلماء والصالحين، والختان، والنعيم الحسي في الجنة، ثم ختم كتابه بإثبات نبوة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، وبيان فضله ومنزلته بنصوص من التوراة والإنجيل.
فهذا باختصار مرور عابر على سيرة هذا الشيخ، وجهاده بقلمه ولسانه في سبيل الله عز وجل، أما جهاده بيده فقد اشترك رحمه الله تعالى في جهاد بني جلدته من الكافرين في حملة الصور الحفصي على جزيرة صقلية سنة ست وتسعين من الهجرة، فقد كان يتولى منصب القائد البحري، حتى إنه روي أنه استشهد أثناء الغارة الصليبية على تونس، فإن صحت هذه الرواية فهذا شرف عظيم يضاف إلى سجله الناصع في خدمة دين الحق والجهاد في سبيله، ولا شك في أن سيرة الشيخ الترجمان منار ينير الدرب للتائهين في لجج الظلام ودياجير الجهل، ويحرر عقولهم من أسر التقليد الأعمى لمن لا يملكون لهم رزقاً ولا أجلاً.
فرحم الله الشيخ الترجمان وأعلى درجته في المهديين.