علو همة الخلفاء الراشدين في الجهاد

الشجعان في أمته صلى الله عليه وسلم والأبطال لا يحصون عدة، ولا يحاط بهم كثرة، لاسيما أصحابه المؤيدين، الممدوحين في التنزيل بقول الله تبارك وتعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح:29].

إن الصحابة رضي الله تعالى عنهم كلهم شجعان، فالشجاعة من الكمالات التي تحلى بها الصحابة رضي الله تعالى عنهم.

فأشجع الصحابة -وكلهم رضي الله عنهم شجعان- أفضل البشر جميعاً بعد الأنبياء، خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه، هكذا شهد له علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه أشجع الناس، وصدق رضي الله عنه، فقد كان أثبتهم قلباً وأقواهم جناناً، وحسبك من ذلك ثبات قلبه يوم بدر، ويوم أحد، ويوم الخندق، ويوم الحديبية، ويوم حنين، بل ثبات قلبه وتثبيته المسلمين عند الخطب الأعظم والأمر الأفخم بموت رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فلا يرتاب عاقل على الإطلاق في أن أشد مصيبة وقعت بالمسلمين على الإطلاق هي وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذه أشد قاصمة تعرض لها الإسلام، فإذا ما استحضرت أحداث هذا اليوم العصيب الذي هو أفظع مصيبة عاناها المسلمون -ولن يبتلوا أبداً بأشد منها- كما قال عليه الصلاة والسلام: (ليعزي المسلمين في مصائبهم المصيبة بي) يعني: إذا مات لأي مسلم بعد رسول الله عليه السلام أي إنسان مهما كان عزيزاً عليه فليتذكر موت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يعزي نفسه- فإذا راجعنا أحداث هذا اليوم عرفنا كيف ثبت أبو بكر الصديق رضي الله عنه ثباتاً لا نظير له، حتى عمر الفاروق لم يثبت، بل حصل له ما حصل من الاهتزاز والزلزلة حينما بلغه نبأ وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا شك في أن هذا من قوة إيمانه وثبات جنانه رضي الله تعالى عنه.

وكذلك عزمه في قتال من ارتد حينئذ، فتلك الشريعة التي تضاءلت لها فرسان الأمم، والهمة التي تنازلت لها أعالي الهمم.

ومنهم الفاروق ناصر الدين أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، الذي بلغ من الشجاعة والهمة الكبرى أقصى الغايات وأعلى النهايات، والأخبار في قوته في الدين وشدته على المشركين كثيرة مشهورة، ولو أفضنا في الكلام على مواقف عمر رضي الله تعالى عنه وشجاعته لاستوعب ذلك وقتاً كثيراً جداً.

وهذا الليث الحفصاص، والغيث المدرار، ومفرق كتائب المشركين، والآتي من أنواع الشجاعة بما أوجب تحير المتحيرين، أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، كان درعه صدراً لا ظهر له، فقيل له: ألا تخاف أن تؤتى من قبل ظهرك؟! ينصحونه بأن يتخذ درعاً على ظهره، حتى إذا ما جاءه أحد الأعداء من قبل ظهره لا يتمكن أن يطعنه أو يصيبه، فقال علي رضي الله عنه: إن أمكنت عدوي من ظهري فلا أبقى الله عليه إن أبقى علي.

يعني أنه لا يمكن عدواً من أن يناله أبداً من ظهره، وفيه إشارة إلى أنه لا يفر أبداً ولا يولي الدبر؛ لأن العدو لن يقابل ظهره إلا إذا ولى الدبر.

وذكر ابن عبد البر في صفة علي رضي الله عنه أنه من شدة بأسه وشجاعته كان إذا أمسك بذراع رجل لم يستطع أن يتنفس.

أي: يتوقف الرجل عن التنفس من شدة الخوف والبأس وقوة قبضة علي رضي الله تعلى عنه.

وأخبار شجاعته وعلو همته رضي الله عنه كثيرة مشهورة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015