حدث من عايش الطلاب اليابانيين الذين يبتعثون إلى أمريكا عن أحوالهم فقال: ربما يلبثون في مكتبة الجامعة إلى نصف الليل، وربما نام أحدهم وهو جالس على كرسيه، ويواصل الدراسة في اليوم الثاني من غير ذهاب إلى البيت.
وكل من خالط اليابانيين يعرف هذه الطبيعة الغريبة فيهم.
حدثني أحد الإخوة منذ سنوات أنه كان هناك رجل ياباني يأتي في الإجازة الأسبوعية يوم الخميس إلى الإسكندرية، والإجازة تمتد إلى الجمعة، ويمكن إلى أيام تالية، فكان الرجل بالليل لا يطيق أن ينام، فيأمر السائق بأن يحمله من الإسكندرية إلى القاهرة، فيلقي نظرة على العمل، ثم يعود في نفس الليلة إلى الإسكندرية! وهذا سبب ولوعهم بالعمل والكدح في سبيل الدنيا، فكل هذا في سبيل الدنيا، فانظر كيف صارت حركة القوم، حتى إنهم كانوا يثورون على الحكومة إذا أعطتهم إجازات، قيريدون أن يعملوا ويكدحوا، وهذا كما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (إن الله يبغض كل جعظري جواظ سخاب في الأسواق جيفة بالليل حمار بالنهار) أي: حمار بالنهار في سبيل الدنيا.
فأولى بنا أن نطلب الجنة التي فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، وأن نكون أشد إصراراً في سبيل هذا المطلب العظيم.
ويحكي الأستاذ الراشد حفظه الله فيقول: شفعت مرة لداعية أن يقبله الأستاذ فؤاد سزكين طالباً بمعهده في فرانكفورت معهد تاريخ العلوم الإسلامية، فاشترط الأستاذ سزكين أن يشتغل الطالب ست عشرة ساعة يومياً، فرفض، ثم أراني الأستاذ سزكين من بعد عدداً من الطلاب اليابانيين في معهده وقد انكبوا على المخطوطات العربية يدرسونها ويبعثونها إلى الحياة، وقد رضوا بهذا الشرط، فتأمل!