انتهينا في الكلام على علو الهمة إلى علو الهمة في الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، وذكرنا أن كبير الهمة من خصائصه أنه يحمل هم الأمة، ولا ينغلق على نفسه، وإنما يشارك المسلمين آلامهم، ويواسي إخوانه، ويقضي حوائجهم، ويشفع لهم.
وتكلمنا عن حركة الداعية، وكيف أن الحركة ولود وأن السكون عقيم، وبينا أن الحركة هي عبارة عن قيامة وبعث للروح، وذكرنا -أيضاً- أن الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى هي أشرف وظيفة على الإطلاق في هذا الوجود؛ لأنها وراثة النبوة، وذكرنا نماذج من هدي السلف وحركتهم وحرصهم على هداية الخلق وتعليمهم ودعوتهم إلى الحق.
وذكرنا أيضاً نماذج تبين مخاطرتهم بأنفسهم وأرواحهم في سبيل نصرة الدين، وذكرنا أن الفاسق ضالة الداعية، وأن الداعية القوي الإيمان والقوي اليقين لا يهرب من الفاسق؛ لأن الذي يهرب هو الذي يخشى أن يتأثر به، وهذه حيلة الضعيف، أما الداعية الكبير الهمة فلقوة يقينه وإيمانه لا يزحزحه شيء عن منهجه، فلذلك يبحث ويتحرى ويلهث وراء الفاسق؛ لأنه يريد أن يهديه، وأن يغزو قلبه بنور الله تبارك وتعالى.
والموضوع الذي نبينه الآن -بإذن الله وتوفيقه- هو أن كل البركة تكون في السعي والحركة، والنماذج -في الحقيقة- كثيرة، فقد اقتصرنا فيما مضى على تبيان نماذج من أحوال السلف في الحركة في سبيل الدين، وفي سبيل هداية الناس إلى الحق، ولا نريد أن نفعل كما يفعل الترجمان الذي يقف أمام الآثار، ويحدث الناس عن الماضي، ويظل يحدثهم عن الماضي والتاريخ وكأنه لا صلة له إطلاقاً بهذا الحاضر.