والشخص الذي يتحرك للدعوة ويقبل أن يضحي في سبيل الدين، خاصة إذا كانت الدعوة تتعرض لمحن تحركه -في الغالب- يدل على نفاسة معدنه وأصالة جوهره، فمثلاً: المرأة التي تتنقب في وسط الظروف التي نعيشها الآن لا شك في أنها صاحبة همة غير عادية؛ لأنها ترى المنقبات كيف يحاربن، وكيف يشنع بهن، وهكذا لو أن الإنسان أعفي لحيته أو تاب في مثل هذا الجو الصعب الذي نعيش فيه في مثل هذا الزمان، فلا شك في أن هذه النوعية تكون موفقة من عند الله سبحانه وتعالى، وإلا فالغالب أن الناس تصد عن سبيل الله سبحانه وتعالى بشتى الحيل.
أما هذا الذي يتباطأ عن الاستجابة لدعوة الله، أو الاستجابة لداعي الإيمان، ويتباطأ مؤجلاً إلى أن تظهر بوادر النجاح، فحينما يكون المسلمون أصحاب اليد العليا، وحينما تكون الدعوة لها ثقل أكثر فما يتمناه هو وعد الضعاف، فوعد الضعاف أن يقول أحدهم: اشتغل في الدعوة حتى ترجع الموجة مرة أخرى، وحتى تنحسر هذه الشدة التي نحن فيها.
إن المؤمن الذي يعمر قلبه بالإيمان لا يتصور أن يكون إلا متحركاً ومحركاً، أما المتباطئ الذي يعد بالالتحاق بعدما تظهر بوادر النجاح فإنما يعد وعد الضعاف، كما يقول الشاعر: صاح ما الحر من يثور على الـ ظلم وقد ثارت لحقها الأقوام إنما الحر من يسير إلى الـ ظلم فيصميه والأنام نيام فلا ينبغي أن يؤجل الإنسان الانضواء تحت لواء الحق، وإلا فإنه يعض إصبع الندم، وقد دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذا الجوشن الضبابي إلى الإسلام بعد بدر، فقال له: (هل لك إلى أن تكون من أوائل هذا الأمر -أي: أقبل وكن من السابقين إلى الإسلام-؟ قال: لا.
قال: فما يمنعك منه؟ قال: رأيت قومك كذبوك وأخرجوك وقاتلوك، فأنظر: فإن ظهرت عليهم آمنت بك واتبعتك، وإن ظهروا عليك لم أتبعك.
فكان ذو الجوشن يتوجع على تركه الإسلام حين دعاه إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم).
فينبغي أن يحرص الإنسان دائماً على عنصر الريادة، وأن يكون في أوائل الناس، خاصة في وقت المحنة ووقت الشدة، ويجيب داعي الله سبحانه وتعالى بلا تلكؤ ولا تلعثم ولا تردد، فهذا هو شأن المؤمنين، لكن الإنسان الذي يتردد في قبول الدعوة يكشف عن ضعف في همته، والشخص عالي الهمة لا يبالي أن ينضوي إلى لواء الحق، حتى ولو كان أهله مبتلين، ومطاردين ومستضعفين، ولكن بعض الناس لا يكاد يتحرك قلبه تعاطفاً مع أهل الدين ومع أهل ولاية الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، فكيف نزهد في مثل هذا العمل الذي هو تبليغ الدين ودعوة الناس إلى الحق والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (نضر الله امرأً سمع منا شيئاً فبلغه كما سمعه، فرب مبلغ أوعى من سامع)؟ ّ! فمن يفعل ذلك يدخل تحت دعوة النبي صلى الله عليه وسلم: (نضر الله أمراً سمع منا حديثاً فبلغه كما سمعه، فرب مبلغ أوعى من سامع).
وروي أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول في دعائه: (اللهم! زينا بزينة الإيمان، واجعلنا هداة مهتدين)، يعني: مهتدين في أنفسنا هداة لغيرنا، أي: اجعل نفعنا متعدياً.