سبب طلب الإمام الشافعي للعلم

كان سبب أخذ الإمام الشافعي رحمه الله تعالى العلم ما حكاه مصعب بن عبد الله الزبيري قال: كان الشافعي رحمه الله في ابتداء أمره يطلب الشعر وأيام العرب والأدب، ثم رشد في الفقه بعد.

والإمام الشافعي حجة في اللغة بلا شك، والإمام الشافعي يقول في بيت من الأبيات: ولولا الشعر بالعلماء يزري لكنت اليوم أشعر من لبيد فالإمام الشافعي لو ترك نفسه على سجيته في الشعر لقال الناس: إنه أشعر من لبيد الشاعر المعروف.

وكذلك العلامة الجليل الإمام الشنقيطي رحمه الله تعالى، كان على مقدرة عجيبة جداً في الشعر، وترك -أيضاً- طلب الشعر؛ لأنه رأى أن التوغل في الشعر ينافي المروءة، ولذلك فإنك إذا قرأت شعر الشنقيطي فكأنك تقرأ شيئاً من المعلقات، وسيأتي الكلام في ذلك إن شاء الله.

والمهم أن الإمام الشافعي بدأ في طلب الشعر وأيام العرب والأدب، وأخذ في الفقه بعد ذلك، وكان سبب أخذه في العلم أنه كان يوماً يسير على دابة له وخلفه كاتب لـ أبي عبد الله الزبيري، فتمثل الشافعي ببيت شعر، فقرعه كاتب أبي عبد الله الزبيري من خلفه بالسوط، ثم قال له: مثلك يذهب بمروءته في مثل هذا، أين أنت من الفقه؟! فهزت هذه الكلمة الإمام الشافعي، فقصد مجلس مسلم بن خالد الزنجي، وكان مفتي مكة، ثم قدم المدينة فلزم مالك بن أنس رحمه الله تعالى.

وعن الشافعي رحمه الله تعالى قال: كنت أنظر في الشعر، فارتقيت عقبة بمنى فإذا صوت من خلفي: عليك بالفقه.

فانظر كيف كانت البيئة من حوله؟! كان يجد كلمة التشجيع والنصيحة المخلصة التي توجهه إلى هذا المسار الصحيح الذي يفيد به الأمة، فهل كانت الأمة ستستفيد من الشافعي إذا خرج شاعراً فحلاً كما استفادت منه بعد أن صار إماماً جليلاً من أئمة الإسلام؟! فانظر كيف كانت النصيحة تأتي من كل جهة، وكيف كان يأتي التوجيه.

يقول الحميدي: قال الشافعي: خرجت أطلب النحو والأدب، فلقيني مسلم بن خالد الزنجي، فقال: يا فتى! من أين أنت؟ قلت: من أهل مكة.

قال: أين منزلك؟ قلت: شعب.

قال: من أي قبيلة أنت؟ قلت: من عبد مناف.

قال: بخ بخ -وهي هنا اسم فعل مضارع بمعنى: أستحسن -لقد شرفك الله في الدنيا والآخرة، ألا جعلت فهمك في هذا الفقه فكان أحسن بك؟! ثم رحل الشافعي من مكة إلى المدينة قاصداً الأخذ عن أبي عبد الله مالك بن أنس رحمه الله تعالى، وفي رحلته مصنف مشهور مسموع، فلما قدم عليه قرأ عليه الموطأ حفظاً، فأعجبته قراءته ولازمه، وقال له مالك: اتق الله، واجتنب المعاصي؛ فإنه سيكون لك شأن.

وهذه نصيحة قريبة من نصيحة وكيع بن الجراح لما شكى إليه سوء حفظه، حيث قال: شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي وأخبرني بأن العلم نور ونور الله لا يؤتاه عاصي فانظر -أيضاً- كيف أنه في كل مرحلة توجد النصيحة والتوجيه ممن حوله، فالبيئة كلها بيئة واعية بأهمية الالتقاط والتفتيش والتنقيب عن هؤلاء النابغين.

وفي رواية أخرى أن الإمام مالكاً قال له: إن الله عز وجل قد ألقى على قلبك نوراً، فلا تطفئه بالمعاصي.

وكان للشافعي رحمه الله تعالى حين أتى مالكاً ثلاث عشرة سنة، وقد أمره بالإفتاء شيخه أبو خالد مسلم بن خالد الزنجي إمام أهل مكة ومفتيها، ولما بلغ الشافعي خمس عشرة سنة قال له شيخه الإمام الجليل مسلم بن خالد الزنجي: أفت يا أبا عبد الله، فقد -والله- آن لك أن تفتي.

وأقاويل أهل عصره فيه كثيرة مشهورة، وأخذ عن الشافعي العلم في سن الحداثة، مع توافر العلماء في ذلك العصر، وهذا من الدلائل الصريحة على عظم جلالته وعلو مرتبته.

وسيرة الشافعي معروفة في الكتب التي ألفت في مناقبه رحمه الله تعالى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015