وذكر الشيخ علي الطنطاوي حفظه الله مثالاً على خطورة التثبيط في إطفاء شعلة الهمة في قلب طالب العلم النابه فقال: إن الأمة حرمت كثيراً من الناس العباقرة بسبب التثبيط، وتثبيطهم يكون بسبب والد جاهل أو أم جاهلة، أو بأسباب كثيرة، وكان ينبغي لهم عدم الالتفات إلى المثبطين، ورعايتهم رعاية خاصة، يقول: ها هو ذا العلامة الشيخ سليم البخاري رحمه الله مات وما له مصنف رسالة فما فوقها، على جلالة قدره، وكثرة علمه، وقوة قلمه، وشدة بيانه، وسبب ذلك أنه صنف أول عهده بالطلب رسالة صغيرة في المنطق، كتبها بلغة سهلة عذبة، تنفي عن هذا العلم تعقيد العبارة، وصعوبة الفهم، وعرضها على شيخه، فسخر منه وأنبه، وقال له شيخه: أيها المغرور! أبلغ من قدرك أن تصنف؟! وأنت وأنت، وظل يثبطه، ثم أخذ الشيخ الرسالة فسجر بها المدفأة، فكانت هي أول مصنفات العلامة سليم البخاري وآخرها بسبب التثبيط.
قال: وأول من سن سنة التشجيع في بلدنا هو العلامة مربي الجيل الشيخ طاهر الجزائري رحمه الله تعالى، الفيلسوف المؤرخ الجبلي، الذي من آثاره المدارس الابتدائية النظامية في الشام، والمكتبة الظاهرية.
وهو من نوادر الشخصيات في الزمن المتأخر، ومن أشهر تلامذته: الأستاذ محمد كرد علي بك، وخالي الأستاذ محب الدين الخطيب.
والشيخ محب الدين الخطيب هو خال الشيخ علي الطنطاوي، والشيخ علي الطنطاوي هو سوري لكن أباه من طنطا في مصر.
ومما كتب الشيخ طاهر الجزائري في ذم التثبيط: وقد عجبت من أولئك الذين يسعون في تثبيط الهمم في هذا الوقت الذي يتنبه فيه الغافل، وكان الأجدر بهم أن يشفقوا على أنفسهم، ويشتغلوا بما يعود عليهم وعلى غيرهم بالنفع، ولن يرى أحد من المثبطين قديماً أو حديثاً أتى بأمر مهم، فالذي ينبغي للجرائد الكبيرة أن تكثر من التنبيه على ضرر هذه العادة، والتحذير منها؛ ليخلص منها من لم تستحكم فيه، وينتبه الناس لأربابها، ليخلصوا من ضررهم.
وكان الشيخ في حياته يشجع كل عامل، ولا يثني أحداً عن غاية صالحة، حتى لقد أخبرني أحد المقربين منه أنه قال له: إذا جاءك من يريد تعلم النحو في ثلاثة أيام فلا تقل له: إن هذا غير ممكن، فتفل عزيمته، وتكسر همته، لكن أقرئه، وحبب إليه النحو، فلعله إذا أنس به واظب على قراءته.