خلل فيها، حيث قصرت ضرباتها كلها على الاستعمار وحده، فأدرك المترددون القلقون من اليهود أن هذه المقاومة التي تمتاز بالإباء والشهامة، ما هي إلا غضبة الضعفاء ضد الطغاة المتجبرين. ولقد قام في الحين رجال مثقفون وطلبة وتجار وبادروا إلى إثارة حركة في الرأي العام تدعو إلى شل أيدي كبار المعمرين وأعداء اليهود، وذلك لأنهم لم يكونوا بضعيفي الذاكرة، إذ انهم لم ينسوا نظام (فيشي) الوضيع الذي أخرج (185) مرسوما من القوانين والأوامر التي بمقتضاها حرموا من حقوتهم طوال أربع سنوات (من الحرب العالمية الثانية)، وطردوا من الإدارات والجامعات، وأخرجوا من ديارهم ومتاجرهم، وردوا من حليهم وجوارهم، وفرضت على إخوانهم اليهود في فرنسا ضريبة جماعية (بمبلغ مليار فرنك) وكانوا يطاردون ويعتقلون في محتشد (درانسي) ويرسلون في قطارت إلى (بولونيا) حيث قضى اأكثرهم نحبه في بيوت التعذيب، والنار ذات الوقود. وبعد تحرير فرنسا، سرعان ما استرد اليهود الجزائريون حقوقهم وأموالهم بفضل تأييد النواب المسلمين، وذلك بالرغم من اعتراض الإدارة الفرنسية التي بقيت متمسكة بمذهب (بيتان). فهل بلغ اليهود من السذاجة بحيث أصبحوا يعتقدون اليوم أن انتصار الاستعماريين الغلاة يجعلهم في مأمن من الأهوال والويلات التي عرفوها، وهم الذين صبوها عليهم فيما مضى؟
لا يزال اليهود الجزائريون حتى اليوم، لم يتغلبوا على اضطراب ضمائرهم، ولا عرفوا بعد أية وجهة يتخذونها، وأملنا أن يسير الكثير منهم على أثر أولئك الذين استجابوا لنداء الوطن الجزائري الكريم، وصادقوا الثورة بمطالبتهم منذ الآن في فخر واعتزاز بالجنسية الجزائرية، وإن اختيارهم هذا يعتمد على التجربة والخبرة والعقل