يقول رسولنا صلى الله عليه وسلم: {المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل الخير احرص على ما ينفعك واستعن بالله} وقال: {الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني} وقال: {اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وفراغك قبل شغلك، وغناك قبل فقرك، وحياتك قبل موتك} وقال لأحد أصحابه: {أعني على نفسك بكثرة السجود} وقال لآخر: {لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله} وكان يقول: {اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من البخل والجبن، وأعوذ بك من ضلع الدين وغلبة الرجال}.
وقام من الليل حتى تفطرت قدماه، وربط الحجر على بطنه من الجوع، وربما صلى أكثر الليل، وصبر على الإيذاء والسب والشتم والطرد والتشريد من الأوطان، والجراح في المعركة والجوع، وجاهد أعداء الله من مشركين، ويهود، ونصارى، ومنافقين، وكان أعظم الناس جهاداً، وأحسنهم خلقاً، وأجلهم إيماناً، وأسدهم رأياً، وأنبلهم كرماً، وأكرمهم نفساً، وأطيبهم عشرة، وأشجعهم قلباً، وأسخاهم يداً، وأكبرهم همة، وأمضاهم عزيمة، وأكثرهم صبراً صلى الله عليه وسلم.
وصبر معه أصحابه أَجلَّ الصبر، وجاهدوا أحسن الجهاد، فوقفوا مواقف تشيب لها الرءوس، فضحوا بأموالهم وأنفسهم، وقدموا الغالي والرخيص في سبيل الله، ولقوا الألاقي في مرضاته، فنكل بهم من أعدائهم، فمنهم من قتل، ومنهم جرح، ومنهم من قطعت أعضاؤه ومزقت أطرافه، وأكلوا من الجوع ورق الشجر، وسحب بعضهم على الرمضاء وحبس البعض، هذا وهم صامدون مجاهدون مناضلون مكافحون، يستعذبون من أجل دينهم العذاب، ويستسهلون الصعاب، ويتجرعون الغُصف.
فهذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه ينفق ماله في سبيل الله، ويهب عمره كله لمرضاة الله، فهو المصلي الصائم المنفق المجاهد المضياف الجواد البار الصادق الذاكر العابد القانت الأواب، حتى إنه ليدعى من أبواب الجنة الثمانية يوم القيامة؛ لكثرة فضائله وإحسانه، وهو رفيق الرسول صلى الله عليه وسلم في الهجرة، وصاحبه في الغار، ما تخلف عن غزوة، ولا تأخر عن معركة، بل هو السَّباق الأول إلى الإسلام، والهجرة والجهاد والبر والتقوى، وما استحق كلمة الصديق ولا تاج القبول ولا وسام البر إلا بعد جهادٍ عظيم، وخلقٍ مستقيم، وفضلٍ عميم.
وهذا الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه بلغ الغاية في الزهد والورع مع ما سبق له من المقامات الجليلة في الإيمان، والتضحية والهجرة، والجهاد، والإنفاق مع خشيته لربه، ومراقبة لمولاه، وعدلٍ في رعيته، وضبط لشئون المسلمين، وإتقانٍ لعمله في الخلافة مع الصدق في السر والعلن، والإنصاف في الغضب والرضا، مع ما كان عليه من الفقه في الدين، والاجتهاد في معرفة الوحي، واستنباط الحكم من النصوص.
وهذا عثمان بن عفان ذي النورين رضي الله عنه، الذي سارع إلى الاستجابة لله ولرسوله، فأسلم قديماً ولزم الرسول صلى الله عليه وسلم مع العسر واليسر، فصدق مع الله جهاده وهجرته وإنفاقه، فجهز جيش العسرة، واشترى بئر رومة، وأوقفها على المسلمين، ومهر في القرآن، وجوده، حتى كان يتهجد به أكثر الليل، مع الحياء من الله، والسعي في مرضاته، مع صدق اللهجة، وكرم النفس، وطهر الضمير، وحمد السيرة.
وهذا علي بن أبي طالب أمير المؤمنين أبو الحسن رضي الله عنه، كان سيد الشجعان، ورائد الفرسان، حضر المعارك، وجالد بسيفه، وقتل الأقران، فكان ميمون النقيبة، مبارك السيرة، طيب السريرة، مع ما كان عليه من علمٍ غزير، وفقهٍ ثاقب، وفصاحةٍ مشرقة، وشجاعةٍ متناهية، وزهدٍ عظيم، وإقدامٍ وتضحية، وهمةٍ ومضاء، وعزيمةٍ وإباء، حتى استحق هذه المنزلة يجدارةٍ وتأهل للمجد بحق.
وهذا أبي بن كعب سيد القراء، جمع القرآن وأتقنه وحفظه، وضبط فعلم، وعلَّم وصدق ونصح حتى صار آيةً في هذا الفن ومرجعاً في هذا الباب.
وهذا الزبير بن العوام أصيب في كل شبرٍ من جسمه في سبيل الله، فاستحق رفقة الرسول عليه والسلام، والمنزلة العالية، ورضوان الله.
وسعد بن أبي وقاص أحد العشرة، وخال الرسول صلى الله عليه وسلم، صدق الله فكان مجاب الدعوة، ثابت القلب، فنصره الله على أهل فارس، ورفع به رأس كل مسلم، وكبت به أعداء الله، فكان الأسد في براثنه.
وعبد الرحمن بن عوف أحد العشرة تصدق بقافلةٍ في سبيل الله، بجمالها، وحمولتها طلباً لمرضاة الله، وأنفق في كل عمل راشدٍ مبرور.
وهذا ابن عباس حبر الأمة، وبحر الشريعة، وترجمان القرآن، جدَّ في طلب العلم، وحرص غاية الحرص، وبلغ النهاية في فهم الوحي، وتصدر لتعليم الناس، فكان عجباً في فهمه وحفظه وبيانه وكرمه وسخائه، حتى صار إماماً للناس لما صبر وجاهد وعلم وتعلم.
وهذا معاذ بن جبل إمام العلماء، طلب العلم من معلم الخير صلى الله عليه وسلم، وعمل بما علمه الله، فكان مثال العالم العامل المنيب المخبت الزاهد العابد، ودعا إلى الله، وعلم عباده، وجاهد في سبيله، وأمر بالمعروف، ونهى عن المنكر، مع فقهٍ عميق، وخلقٍ كريم، ورفقٍ بالناس، وسخاءٍ بذات يده.
وأبو هريرة سيد الحفاظ، جمع الحديث حفظاً، وبلغه الأمة صدقاً، فكان الحافظ الأمين حقاً، قسم ليله للعبادة وتذكر الحديث والنوم، واشتغل بتعليم الناس مع الفتيا والوعظ والجهاد والتعليم، وما ذاك إلا لسمو همته، ومضاء عزيمته، وقوة نفسه.
وهذا خالد بن الوليد: سيف الله المسلول، كتب اسمه في سجل الخالدين بحروفٍ من النور، وخلد ذكره في ديوان الفاتحين بأسطر من ضياء، نصر الإسلام بسيفه، وخاض غمار المعارك، يعرض نفسه للأخطار، ويقدم روحه في راحته مستهيناً بالمصاعب، حتى صار مضرب المثل في الفداء والتضحية، وسمو القدر، وجلالة المنزلة، وارتفاع المحل.