شيخ الإسلام أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام، إمام الندى والبأس، جده قمر، وأبوه نجم، وهو شمس {فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً} [الإسراء:12].
ابن تيمية شيخ الحافظين لميراث الهادي الأمين، وعلم المجددين للدين، أرسل على المبتدعة التدمرية تدمر كل شيء بأمر ربها، وأنزل حمى الويل في الحموية على المعطلة، وبطح البطائحية بحججٍ كالقذائف
وكل بطاحٍ من الناس له سهمٌ بطوحُ
انتصر على النصيرية، وكسر أنوفهم في جبل كسروان.
دخل على الأمة طيف الأشاعرة {وَلْيَتَلَطَّفْ وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً} [الكهف:19] فاستيقظ أبو العباس لما نادته الملة، فقال: كلا والله، فدفع التأويل بالدليل، والشبهات بالآيات، والظن باليقين، وراغ عليهم ضرباً باليمين.
سطعت حجته، لا ترى فيها عوجاً ولا أمتا، والناس في هذا الإمام مذاهب شتى، لم يتخذ زوجةً وما أنجب ولدا، ولم يضيع عمره سدى، بل أرسل شهبه على الضلال كلٌ يجد له شهاباً رصدا، فلم يغادر منهم أحدا، بل تركهم بدداً.
ابن تيمية: علمٌ معقود، وسرادق للعلم ممدود، والرجل محسود.
أعيذك يا فرد البطولات! بكلمات الله التامات، فاهجر خصومك، وانشر علومك.
ابن تيمية: أحاط بشرع الهادي المحيط، بحر البحور، ودر النحور، ركب منبر الجلالة، فنادى لسان التوفيق: طبت وطاب مسعاك، أبحرت سفينة التوفيق إلى ساحل القبول ونادى منادي الشريعة باسم الله مجراها ومرساها، فاستوت على جودي الحق، وقيل: الحمد لله رب العالمين.
ابن تيمية مجتهدٌ في التفسير كـ مجاهد، وذو ملكة في الاستنباط كـ مالك، وأحيا السنة في الأوطان كـ يحيى القطان، ومسددٌ في الحديث كـ مسدد، وأعطى من علمه كـ عطاء، أمةٌ في رجل، جيلٌ في فرد.
دعا الظلمة إلى السياسة الشرعية، والمعطلة إلى الملة المحمدية، والأشاعرة إلى المحجة السلفية، سكن في غرفة فحلت في كل المهج، أبى المنصب فحظي بمنصب تذكارٍ في القلوب، سجن وهو حي فشيعه الناس وهو ميت، إذا تكلم فالسلام على المتكلمين، وإذا كتب أرضا الكرام الكاتبين، وإذا نطق صار بيت المنطق من طين.
ابن تيمية: عجيبٌ عند أهل الملل، غريبٌ عند أهل النحل، جريء عند أرباب الدول، نزل له القبول في القلوب وبالحق نزل، سل سيفه على الدهرية، وأغمده في صدور القبورية، وضرجه بدماء النصيرية، كالمطر إن هل عمَّ وإن سال طمَّ وكالأسد إن شك شمَّ وإن عدا رمَّ، وكالبدر إن سطع تمَّ وإذا ذهب التمَّ.
أمَّ في المحراب وعلم الكتاب، وسمع الجهاد فأجاب، ألغى الانحراف وكشف السراب، خرج بالبتار على التتار، فأذاق جند هولاكو الهلاك، جدد للدين ما اندرس، ودرس به من البغي ما تجدد، رفع للدين مناراً، وأوقد لأعدائه ناراً، فلم يُبقِ منهم دياراً.
الزهد عنده: ترك ما لا ينفع في الآخرة، والورع: اجتناب ما قد يضر، والخوف: ما حجزه عن المعاصي، والشجاعة: ما نصر به الحق، والوسطية: ما دل عليه الوحي، والحياة مبدأ، والرفعة سجدة، والذلة التلصص بالعلم، ملك أعداءه أسباب الدنيا فماتوا وهم أحياء، فلا ذكر ولا أثر، لو اطلعت على كتبهم لوليت منهم فراراً، ولملئت منهم رعباً، وملك هو أسباب الآخرة؛ فعاش وهو ميت بعلمه وسيرته، فلو قرأت كتبه لقلت الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن.
ابن تيمية، في الكتاتيب مجتهد، وفي الكتائب مجاهد، للفضائل إمامها للحوادث حسامها للفتن زمامها للمعاني نظامها، للفتاوى يمنها وشامها للأدب بحتريها وتمامها للتقوى كعبتها ومقامها.
إذا سال من يراعه الحِبر قلت: هذا هو الحَبر الذي يشبه البحر؛ لأنه حرٌ حركته حرارة الحق لمدارج الحرية، فرق بـ الفرقان شراذم الضالين، وأسكت بـ الجواب الصحيح أتباع المسيح، وهاج على الرافضة بـ المنهاج، وذبح الشاتم بـ الصارم، حل زمام أهل الحلول، واصطدم بحد صارمه أرباب الاتحاد، عرض المخالفون بضاعتهم المزجاة، وصاحوا بكم نقول، فأبطل بيعهم بـ صحيح المنقول وصريح المعقول، فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين.
تيم ابن تيمية بنور الرسالة، ويأبى الله إلا أن يتم نوره، ألقى عصا حجته على سحرة زمانه، فإذا هي تلقف ما يأفكون، فويلٌ لهم مما يصفون.
ما تزوج وقد قارب السبعين؛ لأنه خطب الحور العين، بتّ بعلي عزمه رأس الشهوات مرحباً، وخاض بجنود إيمانه شقحباً، يكسو بالنحو أقوال الكسائي، ويرد بأشعاره تأويلات الأشعري، ويفحم بردوده الماتريدي.
أعطى من البراهين ما قطع به شبهات واصل بن عطاء، وألهم عند الاحتجاج ما قطع به دابر الحلاج.
ابن تيمية: للملة ابن بار، يدور مع الدليل حيث دار، توقف الناس في مسائل العلم فتقدم، وتقدموا لأبواب الدنيا فتوقف، مقدمٌ على المروءات، محجمٌ عن المزريات.
إن طال الليل قصَّره بالقيام، وإن قصر النهار طوله بالصيام، يبرد حرارة الغيرة بالصبر، ويذيب قسوة القلب بالفكر، ويسيل جامد الدمع بالذكر، ترك القصور للمقصرين، ورمى الحطام للسفلة الطغام.
ابن تيمية: يوم كان يمرغ لربه أنفه في الطين كان أقرانه على أبواب السلاطين، يوم كان يرد على أعداء السنة كانوا يردون عليه، اشتغل بالله واشتغلوا به، ترك لهم الدنيا والدراهم والدنانير فحسدوه على العلم والفهم والحِكَم، جنته وبستانه في صدره، وطاعة مولاه في عسره ويسره.
طار ذكره من طنجة إلى البنجاب، فسجنه الحجاب، فضرب بينهم بسورٍ له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب، سجنه خلوة، تعظم فيه حسناته، وتحفظ فيه أوقاته، وإخراجه من البلد سياحة، وإيقافه عن الوعظ راحة، وقتله شهادة؛ لأنه جهز زاده، وسمن جواده، وهيأ عتاده، له دفتر البطولات، يكتب فيه ما شاء، وله كتاب العبقرية يملؤه بذلك الإنشاء، {وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ} [الشعراء:84].
يأيها الحساد! الرجل قد ساد، وأجاد وأفاد؛ لأنه طويل النجاد، باسط العماد، جاهز العتاد، طيب الزاد.
يأيها الأعداء: الإمام بلغ الجوزاء، وجاوز البلغاء، وخطب ود الخطباء، أنف أن يموت قبل أن يرغم الكاذبين، فرغم أنف التاريخ إن لم يكتبه في الصادقين.