لست مجنوناً كما قال أعداؤك؛ لكن عندك دواء المجانين، فالمجنون الطائش، والسفيه التافه من خالفك وعصاك وحاربك وجفاك.
{مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ} [القلم:2] وكيف يكون ذلك وأنت أكملهم عقلا، وأتمهم رشداً، وأحسنهم رأياً، وأعظمهم حكمة، وأجلهم بصيرة؟!
كيف تكون مجنوناً وأنت أتيت بوحي يكشف الزيغ، ويزيل الضلال، وينسف الباطل، ويمحو الجهل، ويهدي العقل، وينير الطريق؟!
لست مجنوناً؛ لأنك على هدىً من الله، وعلى نورٍ من ربك، وعلى ثقة من منهجك، وعلى بينة من دينك، وعلى رشدٍ من دعوتك، صانك الله من الجنون، بل عندك كل العقل، وأكمل الرشد، وأتم الرأي، وأحسن البصيرة، فأنت الذي يهتدي بك العقلاء، ويستضيء بحكمتك الحكماء، ويقتدي بك الراشدون المهديون.
كذب وافترى من اتهمك بالجنون، وقد ملأت الأرض حكمةً، والدنيا رشداً، والعالم عدلا، فأين يوجد الرشد إلا عندك، وأين تكون الحكمة إلا لديك، وأين تحل البركة إلا معك.
أنت أعقل العقلاء، وأفضل النبلاء، وأجل الحكماء.
كيف يكون محمد مجنوناً وقد قدم للبشرية أحسن تراثٍ على وجه الأرض، وأهدى للعالم أجل تركةٍ عرفها الناس، وأعطى الكون أبرك رسالة عرفها العقلاء؟
هذا هو محمدٌ عليه الصلاة والسلام، بل هذه بعض سيرته العطرة، بل شيءٌ من أخلاقه المجيدة، فصلى الله وسلم عليه كلما ذكره الذاكرون، وغفل عنه الغافلون، وجمعنا به في جناتٍ ونهر، في مقعد صدقٍ عند مليكٍ مقتدر.
والحمد لله رب العالمين.