الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله ومن والاه.
أما بعد:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
فهذه محاضرة: (مفتاح الهداية) لا أستطيع أن ألزم الحياد في كتابتي عن أحب إنسان إلى قلبي -عن محمدٍ صلى الله عليه وسلم- لأنني لا أكتب عن خليفةٍ من الخلفاء له جنودٌ وبنود، ولديه حشود، وعنده قناطير مقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث، ولكني أكتب عن الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، محمدٍ صلى الله عليه وسلم.
ولن ألزم الحياد؛ لأنني لا أتكلم عن سلطانٍ من السلاطين، قهر الناس بسيفه وسوطه، ولكنني أتكلم عن معصوم شرح الله صدره، ووضع عنه وزره، ورفع له ذكره.
ولن ألزم الحياد؛ لأني لا أتكلم عن شاعرٍ هدار، أو خطيبٍ ثرثار، أو متكلمٍ نوار، أو فيلسوفٍ هائم، أو روائي متخيل، أو كاتبٍ متصنع، أو تاجرٍ منعم، بل أتحدث عن نبيٍ خاتم، نزل عليه الوحي، وهبط عليه جبريل، ووصل سدرة المنتهى، له شفاعة كبرى، ومنزلةٌ عظمى، وحوضٌ مورود، ومقامٌ محمود، ولواءٌ معقود، فكيف ألزم الحياد إذاً، أتريد أن أحبس عواطفي، وأن أقيد ميولي، وأن أربط على نبضات قلبي وأنا أكتب عن أحب إنسانٍ إلى قلبي، وأغلى رجلٍ وأعز مخلوقٍ على نفسي، إن هذا لشيءٌ عجاب.
أتريد مني أن أكفكف دموعي، وأنا أخط سيرته، وأن أخمد لهيب روحي وأنا أسطر أخباره، وأنْ أجمد خلجات فؤادي وأنا أدبج ذكرياته! لن أستطيع هذا، كلا وألف كلا؛ لأنني أكتب عن أسوةٍ وإمامٍ معي بهداه في كل شاردة وواردة، أصلي فأذكره؛ لأنه يقول: {صلوا كما رأيتموني أصلي} أحج فأذكره؛ لأنه يقول: {خذوا عني مناسككم} في كل طرفة عينٍ أذكره؛ لأنه يقول: {من رغب عن سنتي فليس مني} في كل لحظة من حياتي أذكره؛ لأن الله يقول: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب:21].
إنني أكتب عن أغلى الرجال، وأجل الناس، وأفضل البشر، وأزكى العالمين، مرجعي في ذلك دفتر الحب المحفوظ في قلبي، ومصدري في ذلك ديوان الإعجاب المخطوط في ذاكرتي، فكأنني أكتب بأعصاب جسمي وشرايين قلبي، وكأن مزاجي دمعي ودمي.
إن كان أحببت بعد الله مثلك في بدوٍ وحضر وفي عرب وفي عجمِ
فلا اشتفى ناظري من منظرٍ حسنٍ ولا تفوه بالقول السديد فمي