الفائدة الخامسة عشرة: خطورة البطانة وأهميتها المرأة هذه لما كانت نِعْم البطانة لزوجها أشارت عليه بأن يعتق العبد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لما عرف ذلك: (إن الله لم يبعث نبياً ولا خليفة إلا وله بطانتان، بطانة تأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر، وبطانة لا تألوه خبالاً، ومن يُوْقَ بطانة السوء فقد وُقِي).
إذاً: بطانة الشخص من الأهمية والخطورة بمكان؛ لأنهم: أولاً: يعرفون أسرار الإنسان.
ثانياً: لأن العادة والغالب أنه يتأثر بهم، ويمشي على حسب إشارتهم وقولهم، ويعمل برأيهم؛ فإذا كانوا بطانة خير كانت الأشياء التي يعملها الشخص في الغالب خيراً؛ لأن البطانة يشيرون عليه بالخير، وإذا كانوا أهل سوء فهو يتأثر بهم؛ لأنهم ندماؤه وجلساؤه وأهل ثقته وخاصته والمقربون إليه، فإذا دلوه على شر فإنه سيفعل الشر في الغالب (ومن وُقِي بطانة الشر فقد وُقِي).
الفائدة السادسة عشرة: أن الإنسان لا يكاد يسلم من بطانة سوء إما صديق سوء، أو قريب سوء، أو زوجة سوء، أو سكرتير سوء، لا يسلم من بطانة سوء، ولذلك قال: (إن الله لم يبعث نبياً ولا خليفة إلا وله بطانتان) الشخص العظيم صاحب القدر الكبير إلا وله بطانتان، وإذا لم يوجد إنس فالشيطان والنفس الأمارة بالسوء.
الفائدة السابعة عشرة: أن السعيد من وُقِي بطانة السوء، وأنه يجب على الإنسان أن ينقِّي بطانته، فينخلهم نخلاً، وينظر في هؤلاء المقربين إليه جلسائه، أصدقائه، ندمائه، أصحاب سره، وأهل ثقته، مَن منهم الصالح فيحتفظ به، ويشتريه ويضعه على رأسه، ومَن منهم صاحب السوء فيتخلص منه ويستغني عنه ويبيعه، لأنه لا خير للإنسان في الاحتفاظ ببطانة السوء، ولا يكاد يوجد فينا واحد إلا وهو محتك بأشخاص سيئين وأشخاص طيبين، لكن قد يكون عند الواحد -مثلاً- الطيبون أكثر، وعند الآخر السيئون أكثر؛ لكن لا يخلو أن يكون لك تعرض بوجه من الوجوه إلى شخص سيئ، فينبغي نبذه وتركه وهجره ومقاطعته ومنابذته والاستغناء عنه.
الفائدة الثامنة عشرة: أن بعض الناس غرضهم الإفساد ماذا يعني (لا يألونه خبالاً) أي: أنَّهم لا يقصِّرون في إفساده، يبذلون المحاولات الشديدة في إفساده، قال عليه الصلاة والسلام: (وبطانة لا تألوه خبالاً) أي: أن هذه البطانة ليس تأثيرها عليه تأثيراً عشوائياً وبفعل وجودهم فقط، وإنما هم يخططون لإفساده، (لا يألون) أي: يجتهدون، ولا يتركون وسيلة لإفساده إلا سلكوها، وهذا يدل على وجود تعمد وتخطيط، وعلى وجود تواطؤ منهم.
ولذلك فإن هذه المسألة في غاية الخطورة، فهناك أناس نذروا أنفسهم للشر، يندسون للإفساد، ويعملون، ويشتغلون ليلاً ونهاراً، مكر الليل والنهار.