أقوال العلماء في الاستهزاء بالدين وذكر بعض صوره

وقال الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ رحمه الله: وفيه بيان أن الإنسان قد يكفر بكلمة يتكلم بها، أو عمل يعمل به، وأشدها خطراً إرادات القلوب.

وكذلك قال الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: فيه مسائل: الأولى وهي العظيمة: أن من هزل بهذا فهو كافر.

وقال شيخ الإسلام رحمه الله في هذه الآية التي هي: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة:65 - 66] قال: وهذا نص في أن الاستهزاء بالله وآياته وبرسوله كفر.

وقال أيضاً: وقد دلت هذه الآية على أن كل من تَنَقَّصَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم جاداً أو هازلاً فقد كفر.

وقال رحمه الله: فهؤلاء لما تَنَقَّصُوا النبي صلى الله عليه وسلم، حيث عابوه والعلماء من أصحابه قالوا: ما رأينا مثل قرائنا، والقراء هم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، واستهانوا بخبره، أخبر الله أنهم كفروا بذلك وإن قالوه استهزاءً، فكيف بما هو أغلظ من ذلك، وإنما لم يُقِمِ الحد عليهم لكون جهاد المنافقين لم يكن قد أُمِر به إذ ذاك، بل كان مأموراً بأن يدع أذاهم؛ ولأنه كان له أن يعفو عمن تَنَقَّصَه وآذاه.

وعلى ما سبق فإن أي استخفاف أو ازدراء بالدين، أو استهزاء بأي شعيرة من الدين؛ بالله، أو آياته، أو رسوله، أو أركان الإيمان؛ أو الجنة، أو النار، أو الملائكة، أو الأنبياء، مَن استهزأ بشيء من ذلك فقد كفر، والكفر الذي يكفر به كفر أكبر مخرج عن الملة.

قال العلامة السعدي رحمه الله: إن الاستهزاء بالله ورسوله كفر يخرج عن الدين؛ لأن أصل الدين مبني على تعظيم الله، وتعظيم دينه ورسوله، والاستهزاء بشيء من ذلك منافٍ لهذا الأصل ومناقض له أشد المناقضة.

وقال النووي رحمه الله: ولو قال وهو يتعاطى قدح الخمر، أو يقدم على الزنا: باسم الله، استخفافاً باسم الله تعالى كفر.

أي: لو أن واحداً أخذ كأس خمر وقال: باسم الله تعالى، ويقصد بذلك الاستهزاء فإنه يكفر بذلك.

وقال ابن قدامة رحمه الله: من سب الله تعالى كفر؛ سواء كان مازحاً أو جاداً، وكذلك من استهزأ بالله تعالى، أو بآياته، أو برسله، أو كتبه، قال الله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ الآية} [التوبة:65].

وينبغي أن لا يُكْتَفى من الهازئ بذلك بمجرد الإسلام، يعني: نقول له: كفرتَ يقول: بسيط! أنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، نقول: لا.

حتى يؤدب أدباً يزجره عن ذلك، فلا نكتفي بعودته بالدخول في الدين من جديد، ولا بد أن يؤدب؛ يسجن أو يضرب، لا بد أن يؤدب تأديباً يردعه عن العودة إلى ذلك.

فالاستهزاء بالدين لا يدخله المزح واللعب، ولا يصح العذر بأنه غير قاصد، وأنه ما أراد حقيقة الكلام، نقول: بمجرد النطق بها والإنسان في وعيه وعقله فإنه يكفر مباشرة، سواء قال: أنا قصدي الهزل، أو المزح، أو قال: أنا مؤمن، أنا قلبي فيه إيمان، نقول: حتى لو، فإن الله يقول: {أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا} [التوبة:65 - 66] لا تقولوا: هي كلمات باللسان، هو حديث بيننا، هي مزحة، لم نقصد الحقيقة، نقول: لا.

الله يقول: {لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة:66].

وكذلك فإن هذا الوعيد الشديد الذي جاء ينال كل من قام بشيء من ذلك، والاستهزاء قد يكون بالقول، وقد يكون بالفعل، وبعض الناس يقصد أن يُضْحِك القوم في مجلس من المجالس فيهزأ بالملائكة، أو بالجنة، ويسمون ذلك نُكَتاً، وهي طبعاً ليست نكتاً ولا شيء، إنما هي سخرية واستهزاء بالدين.

قال بعض العلماء: ومن البدع القولية مزح الإنسان بشيء من كتاب الله تعالى، فهو مما يَكْفُر فاعلُه أو يُذَم، أما الذي يَكْفُر فاعله كمن يصعد في مكان مرتفع والناس تحته، فيتشبه بالواعظ والخطيب، يتلو كلام الحبيب صلى الله عليه وسلم، ثم يأخذ في مد صوته وهز رأسه ويقول: (أيها الناس) وهم تحته يتضاحكون؛ كفروا كلهم أجمعون.

وقال رجل لبعض الفقهاء: (إن الملائكة لتضع أجنحتها رِضاً لطالب العلم) فقال واحد في المجلس مازحاً: لأجل ذلك سَمَّرْتُ (قُبْقَابي) لكسر أجنحتهم، فما كان إلا قليلاً حتى وقع في تهمة، فقُطِعَت فيها رجله، أي: قدر الله عليه بشيء تسبب في قطع رجله، لأنه قال: أنا جئت إلى حلقة العلم، ومعي مسامير في القبقاب لكسر أجنحتهم، لاحظ الكلمة! وكذلك لو أن إنساناً استهزأ بأي شيء يتعلق بجهنم أو أهل النار، أو طعام أهل النار، وضربوا أمثلة فيما يُكْفَر به من كلام، وهذه الأمثلة منها ما هي سب صريح، أو فيه استهزاء صريح، ومنها ما يحتمل المزاح؛ ولكن مع ذلك عده العلماء من المكفرات.

وأيضاً فإن اللاعب والجاد في إظهار كلمة الكفر سواء، كما دلت عليه هذه الآية.

ونلاحظ أن بعض الناس يستخدمون أجزاء من آيات في مجال استهزاء أو سخرية، يأتي بشيء من القرآن في مكان لا يناسب أبداً، فهذا يُخشى عليه من أن يدخل في هذه الآية.

كما قال أحد المدعوين: ما لي لا أرى الخبز أم كان من الغائبين، فقال صاحب الدعوة: سآتيك به قبل أن تقوم من مقامك، ونحو ذلك من الكلام نعوذ بالله.

وكقول بعضهم: ولكم في العدس أسوة حسنة، فيضحكون ويقهقهون، هؤلاء يُخشى عليهم من الكفر الوارد في هذه الآية صراحةً.

وكقول بعضهم لما جيء له بالطعام فقال: أفطر عندكم الصائمون، أكل طعامكم الأبرار، وصلت عليكم الملائكة إلا جبريل، قالوا: ولِمَ؟ قال: لأنه لا يأتي إلا مع الشاي.

هذا فيه استهزاء بجبريل، أنه لا يأتي إلا مع الشاي، فهذه الكلمة يمكن أن تودي به في مهاوي الكفر والعياذ بالله.

ويقع من بعض الناس على سبيل المزاح، أن يأتي بمقطع من آية، أو مقطع من حديث مثلاً، يأتي لك به على سبيل الاستهزاء والسخرية، ويتضاحك الناس في المجلس، يأخذونها على أنها طرفة، مع أن القضية في غاية الخطورة.

وينبغي على الإنسان إذا سمع كلام الله عز وجل أن يعظِّمه، وأن يخشع له، وأن يطرق مفكراً فيه متدبراً، لا أن يستعمله في مجالات الاستهزاء والسخرية والمزاح، فما أُنْزِل القرآن لكي نقطعه مقاطع، ونأتي بها في مناسبات على سبيل السخرية والتنكيت والمزاح وإضحاك الناس، ما أُنْزِل القرآن لهذا مطلقاً! وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم، بعض الناس ربما يقول عن سنته أشياء، فهذه الأشياء التي تقال في سنته استهزاءً به، ربما تؤدي أيضاً بصاحبها إلى النار.

وكيف يجعل المسلم أعظم المقدسات عنده في الدين مجالاً للاستهزاء والسخرية! وكذلك ما يقع فيه البعض من الاستهزاء بالمتدينين في قضايا دينية، ليست قضايا شخصية، مثلاً يستهزئ بشكله بأنفه، لو استهزأ بذلك يكون مرتكباً لذنب عظيم، مخالفاً لقول الله: {لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ} [الحجرات:11] لكن أحياناً لا يستهزئ بشخصه، وإنما يستهزئ بشعيرة دينية يقوم بها هذا المتدين، كأن يرى أحداً مثلاً يلبس ثوباً وقد جعله حسب السنة فيقول: هذا لابسٌ (شانِيْل) مشبهاً له بفستان المرأة، فإطلاق (الشانِيْل) على الثوب الذي جاء بحسب السنة لا شك أنه يوقع في مهاوي الكفر والعياذ بالله؛ لأن معنى ذلك أنك تستهزئ بالسنة مباشرة؛ بحديث: (إزرة المسلم إلى نصف ساقيه) معناه أنك جعلت حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم مجالاً للاستهزاء والسخرية، فهذا إنسان يدخل في الآية، ويُخشى عليه من الكفر الصريح والعياذ بالله تعالى.

ونحو هذا أمثلة كثيرة توجد عند بعض الناس؛ يعملون نكتاً وأشياء على الجنة والنار، يدخلون جحا في الجنة والنار، يعملون بها طرائف، ويتناقلونها في المجالس، ولا شك أن تقليد المؤذن بصوت يحاكي صوت المؤذن استهزاءً به، أو يقول بعض الناس إذا سمع المؤذن: نهق الحمار، ولاحظ هذه الكلمة! فإنها استهزاءٌ صريح بشعيرة من شعائر الدين وهي الأذان، ولذلك كم يكفر من الناس يومياً! وبعض الممثلين قد يضع لحية مستعارة وعمامة، يقلد بها شيخاً صاحبَ دين، أو يعمل كأنه يقلد عالماً أو إماماً ونحو ذلك، يكون أيضاً داخلاً فيمن استهزأ بأهل الدين لدينهم، لأن أهل الدين لهم سمات ولهم علامات، فلو استهزأ بثيابهم وأشكالهم وهيآتهم، ومَثَّل دوراً فيه شخص متدين أو عالم، وجلس يقلد صوت هذا العالم على سبيل الاستهزاء والسخرية، فهذا أيضاً يُخشى عليه من الكفر والعياذ بالله تعالى.

وكما حدَّث بعضهم قال: ما هو مصير أهل فلسطين؟ قال: تركنا لهم مخيمات بين الجنة والنار، لاحظ! هذه داخلة في عملية الاستهزاء؛ لأنك الآن دخلت في اليوم الآخر وفي الجنة والنار، وفي القضايا العقدية، وجعلتها مجالاً أو محلاً للاستهزاء والسخرية، وكأنْ يسمع الإنسان شيئاً من نعيم الجنة فيقول: أنا لا أحب هذا، أو الرمان أنا لا أشتهيه ولا كذا، فربما يُخشى عليه أن يُحرم منه.

وعملية الاستهزاء والتشويه لشخصيات التاريخ الإسلامي، وشخصيات العلماء التي تكون في بعض المسلسلات؛ مثل إخراج دور صحابي يقع في حب فتاة، أو يخاطب امرأة متبرجة، أو يقول كلاماً فيه شيء من الغزل ونحو ذلك، لا شك أنه استهزاء بالصحابة، كذلك يظهرون مثلاً صورة عمر بن عبد العزيز أو شيخ الإسلام ابن تيمية، أو صلاح الدين الأيوبي، أو فلان أو فلان من شخصيات المسلمين، يجعلونها مثاراً للحب والغرام وكذا، فيعرضون علماء المسلمين بقالب فيه هذا الشيء، فهؤلاء يكونون قاصدين لتشويه أهل العلم، مثل ما قال المنافق في غزوة تبوك، قال: (ما رأينا مثل قرائنا أرغب بطوناً الخ) هذا كذلك يريد أن يجعل علماء المسلمين مثاراً للسخرية، وأنهم أصحاب غزل، وأصحاب حب وغرام ونحو ذلك.

فكم من كلمة أودت بصاحبها في

طور بواسطة نورين ميديا © 2015