قال سبحانه: {وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ * وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً} [القمر:37-38] أي: في صبيحة اليوم الذي خرج فيه لوط عليه الصلاة والسلام صبحهم عذاب الله عز وجل، وقد ذكر الله صورة هذا العذاب في آيات أخر، قال سبحانه: {فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ} [هود:82] .
ثم قال الله: {عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ} [القمر:38] ما المراد بالعذاب المستقر؟ قال فريق من المفسرين: استقر بهم العذاب، ولم يُنزع عنهم ولم يرفع من يومها إلى أبد الآبدين، إلى يوم الدين، ويوم الدين أيضاً يعذبون، فاستقر عليهم العذاب -والعياذ بالله- لا يفارقهم من وقتها إلى أبد الآبدين، فهم مخلدون في جهنم، وقبل ذلك هم في قبورهم يعذبون، وعن الصراط ناكبون، وساقطون في الجحيم، فالعذاب استقر بهم حيث كانوا؛ عياذاً بالله سبحانه وتعالى من نقمته ومن عذابه! فهذا المراد بقوله سبحانه: {وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ} [القمر:38] ، أي: ملازم لهم لا يفارقهم، قد تقتل أنت في الدنيا لكن بعد القتل تستريح في القبر، ولكن أهل الكفر ليسوا كذلك، فإذا نزل بهم العذاب استمر بهم ولازمهم ولم يفارقهم بحال من الأحوال -والعياذ بالله- مثلاً: قتِل اليهودي كعب بن الأشرف، ولازمه العذاب في قبره وعند قتله إلى أبد الآبدين، ولا يأتي وقت إلا وهو أشد من الذي قبله، فعذاب القبر ينسيه عذاب القتل، وعذاب جهنم ينسيه عذاب القبر، فهكذا تكون الأمور، فهذا المعنى -والله أعلم- كما ذكره جمهور المفسرين في تفسير قوله تعالى: (وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ) .
{فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ * وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر:39-40] ، أي: سهلناه وبيناه لكم، فاقرءوا ما فيه، واتعظوا بأخبار هؤلاء الفسقة الظلمة واعتبروا بهم، فيا من سولت لك نفسك اقتراف الفواحش وارتكاب الآثام! انظر كيف فعل بقوم لوط! ويا من سولت لك نفسك الكبر والطغيان! انظر كيف كان عاقبة قوم عاد! ويا من سولت لك حضارتك ومدنيتك التعالي على الله والكبر على العباد! انظر إلى ثمود الذين جابوا الصخر بالواد! فهؤلاء ذكرهم الله سبحانه وقص علينا من أنبائهم ومن أخبارهم حتى نتعظ، فعدة آيات يقول الله سبحانه وتعالى فيها: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ} [القمر:40] أي: بينا في هذا الكتاب العظيم بأسلوب سهل ميسر مفهوم عاقبة هؤلاء الظلمة الذين حادوا عن طريق الله وعن هدي رسل الله عليهم الصلاة والسلام، ومن ثم كرر قوله سبحانه: (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ) ، ثم يستحث الله العباد فيقول: {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر:40] ، كما يستحثهم في آيات أخر: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ} [الحديد:16] ، وكما ذكر في سورة الرحمن: {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَان} [الرحمن:13] .