حكم زواج المسيار

Q ما هو رأي الشرع بالنسبة للزواج المسمى بالمسيار؟ وهل هو زواج متعة لبعض النساء؟

صلى الله عليه وسلم أما تسميته بالمسيار فهذه تسمية لا وجه لها، ونحن نريد له اسماً كان على عهد السلف الصالح حتى نناقشه مناقشة موضوعية بناءً على أقوال علماء السلف، أعرف أنه انتشر في السعودية في الفترة الأخيرة، وكان البعض أطلق عليه زواج المسيار، ونحن لا نوافق على هذه التسمية من الأصل، فليصاغ السؤال صيغة أسهل وأقرب للفهم من السائل؟ وممكن أن يعرف بالتالي: امرأة تعرض نفسها على رجل ليتزوجها دون أن تفرض عليه مهراً، ولا نفقات ولا قسمة.

نعيد السؤال مرة أخرى: امرأة أرادت أن تتزوج رجلاً فعرضت عليه نفسها وقالت له: تزوجني، قال: أنا فقير، قالت: سامحتك في المهر، قال: لا أستطيع أن أنفق عليك، قالت: أنا ثرية أنفق على نفسي.

قال: لا أستطيع أن آتيك في كل ليلة فأنا متزوج ومن بلد بعيدة، قالت: أنا أسامحك، المتيسر من وقتك قبلته، بهذه الصورة التي ذكرت، مَن عنده شيءٌ يمنع من مثل هذه الصورة؟ امرأة تنازلت عن صداقها، هل لتنازلها عن الصداق وجه شرعي أو ليس له وجه؟ قال الله تعالى: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} [النساء:4] ، إذاً: سقطت هذه الجزئية، وقد تزوجت أم سليم على إسلام أبي طلحة، فهذه تزوجت لإعفاف نفسها.

هذا شيء، الشيء الثاني مسألة النفقة: باتفاق العلماء أنه يجب على الزوج أن ينفق على زوجته، قالت: أنا أعرف، إلا أنني متنازلة أيضاً عن النفقة، ولنا من السلف من سلك هذا، قالت امرأة لأحد أولاد أبي طالب أظنه عقيل بن أبي طالب أو من آل العباس: أنفق عليك، ولا تتزوج عليّ، قال: قد فعلت، قالت: وأنا قد فعلت.

بقيت الثالثة وهي مسألة القسمة: هذه رضيت بساعة، ويجوز لها أن تسقط كل أيامها كـ سودة بنت زمعة فإنها أسقطت أيامها لرسول الله عليه الصلاة والسلام، لا تريد ساعة ولا ساعتين، وقالت: يومي لـ عائشة يا رسول الله! إن جاءها بعد ذلك فهو فضْل منه.

بعد هذا التقنين أو التقعيد الذي فحواه: أنه ليس هناك نهي، يبدأ النظر في مسألة المفاسد والمصالح، يعني إذا كان هذا هو الإطار الكلي للفتيا، فما هي المصلحة المترتبة من وراء هذا الزواج أو المفسدة المترتبة من وراء هذا الزواج.

يعني: إذا كانت القواعد الكلية تفيد المشروعية، إذاً: نبدأ في النظر مرة ثانية إلى المفاسد والمصالح، فمن المصالح التي قد ترد في هذا الباب قول القائل: أنا أذهب لأندونيسيا، وهناك نساء متبرجات تبرجاً مزرياً، وأبيت في الفندق، وفي الليلة الواحدة تطرق على باب الفندق مائة امرأة بكل أنواع الجمال الذي تريد، فأريد أن أُعِف نفسي، وأنا أبقى مدة للاستيراد أو التصدير فأتزوج امرأة على كتاب الله وعلى سنة رسول الله، هذا لأنني أعطيها صداقاً، وأعف نفسي بها، وهي تفرح بالصداق، حتى إنها تفرح بالمبلغ الذي هو بالنسبة لأهل بلادها طائل، وأبقى على هذه الحال، وقد أُرزق منها بولد، وقد لا أُرزق منها بولد، وقد أطلقها، وقد لا أطلقها، لكن في نيتي أنني سأفارقها ولم أُبرزه، هل أحاسب عليه شرعاً؟ سؤال: شخص تزوج امرأة وفي نيته الفراق، لكن ما قصد بالزواج أنه يدمرها، لكن قصد أن يتعفف، قال: سأتزوج وأعطيها صداقاً ثم يمكن أن أطلقها -لم يقل باللسان بل في ذهنه- وإن كانت جميلة بقيت، وإن كانت العكس أفارقها، هذا الزواج من أصله ينعقد أو لا ينعقد؟ الإمام الشافعي يرى أن هذا الزواج ينعقد ولا غبار عليه، استدلالاً بقصة ذي الرقعتين التي وردت بإسنادين كلاهما مرسل، كما عند الشافعي في الأم: أن رجلاً قرشياً كانت تحته امرأة من قريش، فكان يؤذيها ويضربها، فطلقها ثلاث تطليقات، فتعسر الأمر وانتهى، فقالوا: نبحث عن محلل يحلل هذه المرأة لزوجها، فبحثوا فما وجدوا أحداً يضمنون أنه يتزوج ويطلق إلا رجلاً كان يلبس ثياباً مرقعة ويقم المسجد -يكنس الجامع- فذهبت إليه امرأة وسيطة، وقالت: هل لك أن تبيت الليلة مع امرأة تأتيها وتجامعها ونعطيك ثوبين جميلين وتطلقها في الصباح؟ قال: لا حرج، فدخل بها وبات معها، فقالت له في الليل لما أعجبها وأعجبته: إنهم سيطرقون علينا الباب الفجر ويقولون: اخرج وطلِّق، فقل لهم: لن أطلق، واذهب إلى أمير المؤمنين عمر، فقاموا في الفجر، وضربوا الباب، فقال: ما أنا بخارج، هي زوجتي، قالوا: طلق، قال: ما أنا بمطلق، فارتفع الأمر إلى أمير المؤمنين عمر، فأمضى الزواج، مع أنه دخل وفي نيته أن يطلق في الصباح، فأمضى الزواج وجلد المرأة التي كانت وسيطة تعزيراً لها، وأمضى الزواج واستدل بها الشافعي على أن الشخص إذا تزوج وفي نيته أن يطلق أن الزواج صحيح، وقال: ربما نيته تتغير وهو داخل ينوي الطلاق، فقد ينوي الإمساك بعد ذلك، واستدل أيضاً بحديث الرسول عليه الصلاة والسلام: (إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم) فحديث النفس لا يؤاخذ به أحد.

فالسؤال المطروح: ما المفسدة المترتبة على زواج المسيار؟ هذا له شروط غير شروط زواج المتعة؛ لأنه لابد في زواج المسيار من الولي، وهو أبوها أو أخوها الذي يزوجها، وهنا تنازلت عن الصداق، وزواج المتعة تأخذ المرأة فيه الصداق.

وإذا وجد الأطفال وجب على الأب شرعاً ما يجب عليه تجاه أي طفل، وهذه مسألة سابقة لأوانها، أليس الخليل إبراهيم عليه السلام كان تاركاً لإسماعيل وسارة في مكة، وهو وزوجته في الأرض التي بارك الله فيها للعالمين، وكان يذهب لتفقده بمكة.

يعني أنت الآن متزوج واحدة مستقرة هنا، وجاءت أخرى قالت: أنا يتيمة أدركني، تزوجني بأي طريقة، أنقذني من الذي أنا فيه، تزوجتها وجعلتها في شقتها التي هي فيها، وتذهب إليها وقت الفراغ أيحرم؟ إذاً: هو ليس بزواج متعة؛ لأنه بولي وشهود، وتعتد بعده العدة الشرعية، وإذا رُزق ولداً فهو ولده.

وهذه المسألة أول ما قرأتها، كنت مستنكراً لها أشد الاستنكار، ولما تقرأ أقوال الأئمة تجد الجمهور على ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها) .

وكم من شخص يدخل بالمرأة، وفي نيته المعاشرة فيطلق في اليوم التالي، وكم من شخص يدخل وفي نيته الفراق ويمسك، ويحبها بعد ذلك، وتلتئم المعيشة.

إذاً: هل العقد صحيح؟ وهل الطلاق حرام؟ ليس حراماً، إذاً ما هو الإثم؟ ولماذا يبطل العقد؟ ما حددنا مدة، ولا أتينا بكلمة بها بمسحة من أثر المتعة.

وكما أن نية الطلاق موجودة فإن نية الإمساك موجودة، ثم أنت ما لك وللنية التي في الداخل، نحن قلنا: إن الطلاق غير محرم، وهناك توهمات أحياناً يتوهمها الشخص، أحياناً توجد مفاهيم استقرت وهي خطأ، واحد الآن زوجته تعيش معه في غاية الانضباط، ما عملت أي شيء خطأ، وزوجة جميلة وحسناء ورحيمة، فجأة قال: أنا لا أريدها، لماذا؟ قال: لا أريدها، أنتِ طالق، هل هو آثم؟ ليس آثماً، لكن هل هو أحسن؟ لا، ما أحسن، وليس هو بتصرف المحسنين، لكن التأثيم يحتاج إلى دليل؛ لأن الله قال: {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [البقرة:231] .

ونكرر بأن التحديد بمدة لا يجوز؛ لأن هذا داخل في زواج المتعة، فإن قال: أتزوجك وأطلقك بعد ثلاثة أيام، لا يجوز أبداً.

وأنا أذكر مثالاً لكن مع الفارق الدقيق: جاءت امرأة رفاعة القرظي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله! إن رفاعة طلقني فبتَّ طلاقي، وإني تزوجت بعده بـ عبد الرحمن بن الزبير، وإنه والله! يا رسول الله ما معه إلا مثل هذه الهدبة، وأشارت إلى طرف من ثوبها، تعني أنه كذا وكذا.

فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (لعلك تريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟ لا، حتى تذوقي عسيلته، ويذوق عسيلتك) ، فالمرأة تطلقت ثلاثاً من رفاعة، ودخلت على هذا الزوج الجديد عبد الرحمن بن الزبير وفي نيتها أن تفتعل أي مشكلة حتى تطلق وترجع إلى زوجها الأصلي، والرسول كان يبتسم وهي تحكي له، وسعيد بن خالد جالس فنهر وزجر هذه المرأة التي تجهر عند رسول الله بهذا، ولم يعجبه هذا الكلام، لكن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يبتسم، هل قال لها الرسول صلى الله عليه وسلم: أنت آثمة؟ المرأة ليس بيدها من أمر النكاح شيء، لكن ممكن تفتعل مشكلة وتجعل عيشتك سوداء حتى تطلقها، لكن تحريم الزواج بناءً على نيتها المسبقة ليس فيه دليل على أنها آثمة، ولا أثمها الرسول عليه الصلاة والسلام، ولا وصفها بأنها محلِّلة، وهي ليس لها من أمر عقد النكاح أي شيء، لكن إذا الزوج تزوجها بنية التحليل هو الذي يأثم، والمحلَّل ملعون، كما في حديث: (لعن الله المحلِّل والمحلَّل له) والملعون هو: المطرود من رحمة الله، والله أعلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015