الحزونة والابتسامة والضحك صفات جبل الله سبحانه وتعالى عليها الخلق، فمن الناس من هو كثير الضحك، وأصل ذلك من الله سبحانه.
وكذلك كثير الأحزان، (وقد جاء جد سعيد بن المسيب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأله النبي صلى الله عليه وسلم: ما اسمك؟ قال: اسمي حزن، قال النبي صلى الله عليه وسلم: بل أنت سهل، قال: لا أغير اسماً سمانيه أبي، قال سعيد: فما زالت فينا الحزونة) .
فالذي يضحك كثيراً فذلك من الله، والذي يبكي كثيراً فالأصل أن ذلك من الله، فإنه سبحانه هو الذي أضحك وأبكى، ولكن ثم أمور تكون أسباباً للضحك وأخرى أسباباً للبكاء، وإلا فأصل الضحك وأصل البكاء من الله سبحانه وتعالى، فهذه الأمور كالتذكير مثلاً بالموت، والتذكير بالمصائب، والتذكير بالآخرة، كل ذلك يُحزن وإنما هو أسباب فقط، وإلا فهناك من الناس مهما أتته من أسباب الحزن لا يبكي، ومن الناس من إذا أتته كل أسباب السعادة لا يضحك؛ فهذه فقط أسباب.
وهذه الآية الكريمة احتج بها عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما مؤيداً لرأي أم المؤمنين عائشة، في مسألة عذاب القبر، فقد ذهبت أم المؤمنين عائشة إلى نفي عذاب القبر على من نيح عليه، فإنها لما بلغها رضي الله عنها أن عمر وابن عمر رضي الله عنهما يذكران الناس بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه، أو ببعض بكاء أهله عليه) ، قالت: يرحم الله أبا عبد الرحمن: إنما قال ذلك النبي صلى الله عليه وسلم في يهود، فقد مر النبي صلى الله عليه وسلم على قوم ماتت لهم امرأة يهودية، فكانوا يبكون عليها، فقال: إنهم يبكون عليها وإنها لتعذب الآن في قبرها، واقرءوا إن شئتم: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام:164] .
كذا قالت أم المؤمنين عائشة، فاستطرد ابن عباس متماً لحديثها بقوله: وقد قال الله سبحانه، {وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى} [النجم:43] يعني أن الضحك والبكاء لا يؤثران في الميت؛ لأن الضحك والبكاء أصلهما من الله سبحانه وتعالى.
وفي الحقيقة أن لهذه المسألة فقهاً، وهي مسألة هل يعذب الميت ببكاء أهله عليه؟ فقد قال فريق من أهل العلم: إذا كان النوح من سنته، وأوصى الناس بالبكاء عليه بعد موته، فإنه يأثم بكون سنته البكاء على الأموات، ويأثم لوصيته بمخالفة السنة، كما كان قائل الجاهلية يقول: إذا أنا مت فانعيني بما أنا أهله وشقي علي الجيب يا ابنة معبد قال سبحانه: {وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى} [النجم:43] ، ومن العلماء من قال: إن هذا الضحك والبكاء يكون يوم القيامة، لكن الأكثرين على أنه عام.