خدمة المرأة لزوجها هل هي على الإيجاب أم على الاستحباب؟ ذهب جمهور العلماء إلى أن خدمة المرأة لزوجها على الاستحباب، وليست على الإيجاب، وذهب فريق آخر من أهل العلم إلى أن خدمة المرأة لزوجها واجبة عليها، وفريق ثالث قال: إن مرد هذا الأمر إلى الأعراف السائدة في البلاد وإلى أحوال النساء، فإن كانت من بيت غنى يُخدم مثلها فتخدم وإلا فلا، فهي ثلاثة أقوال لأهل العلم.
وما هي الأدلة من كتاب الله أو من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك؟ استدل بعض القائلين بالإيجاب بقوله تعالى: {فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ} [النساء:34] قالوا: معنى قانتات أي: مطيعات -هذا قولهم- أي: إذا أمرها الزوج بأمر أطاعته، فإذا أمرها بالخدمة خدمته.
وقال فريق آخر من أهل العلم الذين وجهوا الوجوب: قوله تعالى: (قانتات) أي: مطيعيات، مطيعات لمن؟ ليس في الآية تقييد، وإن قلنا: مطيعات للأزواج، فمطيعات للأزواج في الذي أمرهن الله به من الطاعة، فإذا قال لها الزوج مثلاً: أعطيني مالك! فليس لها أن تطيعه فإن المال مالها، أي: إذا قال لها الزوج: أنت معك ألف جنيه أعطيني الألف جنيه، فلا يقول أحد أنه يجب عليها أن تعطيه الألف جنيه؛ لأن الله قال: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} [النساء:4] ، فإن لم تطب نفسها فليس لها أن تعطيه، قالوا: فلما لم يكن له أن يجبرها على إعطاء المال كذلك ليس له أن يجبرها على إعطاء الخدمة، إنما الذي له: (إذا أمرها أطاعته، وإذا غاب عنها حفظته ... ) الحديث.
استدل آخرون بقوله تعالى: {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} [البقرة:228] لكن قيل: ما هي هذه الدرجة؟ أجيب أن الدرجة منها القوامة في البيت فإذا أمرها أطاعته، فإذا دعاها للفراش وجب عليها أن تطيعه، فإذا دعته هي للفراش لا يجب عليه أن يطيعها.
دليل آخر لو صح لكان الفيصل في الباب وهو ما ورد من طريق عاصم بن ضمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى على علي بالخدمة الظاهرة، وعلى فاطمة بالخدمة الباطنة، يعني: على علي الخدمة التي خارج البيت، وعلى فاطمة الخدمة التي داخل البيت، أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف، لكن علة هذا الحديث: أنه مرسل من طريق عاصم بن ضمرة، ولا يثبت له سماع من رسول الله، بل هو تابعي متأخر فضعف الحديث، ثم إن المشهور في قصة علي أن فاطمة أتت إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام تسأله خادماً فقال: (ألا أدلك على ما هو خير لك من خادم؟ إذا أتيت مضجعك تسبحين ثلاثاً وثلاثين، وتحمدين ثلاثاً وثلاثين، وتكبرين أربعاً وثلاثين، فإنه خير لك من خادم) هذا أصل الحديث، فلعل شخص رواه بالمعنى بلفظ: (قضى بالخدمة الباطنة وبالخدمة الظاهرة) ، لكن ليس هذا تعليلنا، إنما التعليل لأنه مرسل من طريق عاصم بن ضمرة، أما هذا الحديث (ألا أدلك على ما هو خير لك من خادم) ، ففي الصحيحين، وليس فيه إيجاب، وإنما غاية ما فيه أن النبي عليه الصلاة والسلام اختار لأهل بيته الأفضل.
وفي سنن أبي داود بإسناد صحيح من طريق حكيم بن معاوية عن أبيه، ورواه عن حكيم ابنه بهز وأبو قزعة أنه جاء إلى رسول الله فقال: (يا رسول الله! ما حق أحدنا على زوجته؟ وما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: أما حق أحدكم على زوجته فعليها أن تطيعه إذا أمرها، وإذا دعاها إلى الفراش أطاعته، وإذا غاب عنها حفظته) الحديث، وليس فيه أنه أوجب عليها الخدمة، وقال: (ألا تمنعه نفسها وإن كانت على قتب وألا توطئ أحداً فرشه إلا بإذنه) ، وهناك نصوص قد أضافت حقوقاً أخرى للزوج مثل: لا تصم وزوجها شاهد إلا بإذنه، ولا تخرج إلى المسجد إلا بإذنه، فكل ما أتى من الأدلة ليس فيها دليل صريح يوجب عليهن هذه الخدمة.
وبعض أهل العلم استدل بحديث: (انظري إنما هو جنتك أو نارك) ، وليس في الحديث دليل على أنه يجب عليها الخدمة، فجنتك أو نارك تعني: أنك إذا أعطيته حقوقه التي شرعها الله تدخلين الجنة، وإذا لم تعطيه الحقوق التي أمرك الله بها دخلت النار، وليس معناه أنه يسلبها شيئاً ليس من حقه، (فجنتك أو نارك) : تعني: أنك إذا اتقيت الله فيه دخلت الجنة، وإذا لم تتقي الله فيه لم تدخل الجنة، إذا سرقت من أمواله -مثلاً- دخلت النار، وإذا أطعتيه وحفظت ماله ونفسك دخلت الجنة، فالحاصل أن المسألة فيها جملة أدلة وكلها بين راد ومردود، وقد فصلت القول فيها في رسالة موسعة فيما يقارب التسعين صفحة في هذا الباب.
فالشاهد: هذا بالنسبة لما يتعلق بخدمة المرأة لزوجها، بعد ذلك: كيف كان رسول الله في بيته؟ سئلت عائشة: (كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم في بيته؟ قالت: كان يكون في مهنة أهله) عليه الصلاة والسلام.
ومن باب المعاشرة بالمعروف التلطف مع النساء، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خيركم خيركم لأهله) ، ولا يخفى عليكم أن النبي كان يسابق عائشة، فكان يأمر الجيش بالتقدم ثم يسابقها، ثبت هذا مرتين مرة سبقها ومرة سبقته، وكان يخدم أهله عليه الصلاة والسلام في البيت، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقاً رضي منها آخر) .
قال تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء:19] ويدخل في المعاشرة بالمعروف تزينك لزوجتك كما تحب أن تتزين لك زوجتك، وبهذا قال محمد بن الحنفية، وروي عن عبد الله بن عباس، رضي الله عنهم أجمعين.
قد تكرهها لكنها ميمونة في بيتها غير مشئومة، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (الشؤم في ثلاث: في الفرس والمرأة والدار) ، فقد تجد امرأة جميلة أو وضيئة وحسناء، لكن كلما دخلت عليها البيت وأنت قادم من العمل أحدثت لك مشكلة مع الجيران، أو أعطيتها الراتب كي تنفق منه على البيت فتنفق الراتب في يوم أو يومين في ثياب أو في نعل أو في حقيقبة! فضيعت عليك المال كله، فكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقاً رضي منها آخر) ، لا تتوقع أبداً أنك ستجد في المرأة كل ما تريد، قد تكون المرأة جميلة ووضيئة وحسناء؛ لكنها بذيئة اللسان لسانها طويل، قد تكون المرأة هادئة وجميلة وحسناء لكنها لا تحسن الطهي ولا الخبز، فـ أسماء بنت أبي بكر كانت تعلف للزبير فرسه وتطيعه لكن قالت: (لم أكن أحسن الخبز) ، قد تكون المرأة دميمة لكنها تقوم الليل وتصلي وتراقب ربها سبحانه وتعالى فيك، فكما قال الرسول: (الناس كإبل مائة لا تكاد تجد فيها راحلة) يعني: في المائة جمل واحد قوي تلقاه صابراً على الجوع، سريعاً في المشي، لا يؤذي، في الإبل المائة واحد، فمن باب أولى أن يكون ذلك في النساء.