وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ} [النساء:19] (لا يحل) أي: يحرم، وهذا أيضاً يعتبر نصاً صريحاً في التحريم، فأنتم تعلمون أن نصوص التحريم منها نصوص ظنية الدلالة في التحريم، ونصوص قطعية الدلالة في التحريم، أحل الله كذا: نص صريح الدلالة في التحليل، حرم الله كذا: نص صريح الدلالة في التحريم.
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ)) [النساء:19] المعنى: يا أيها الذين آمنوا يحرم عليكم {أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا} [النساء:19] لا يحل لك أن ترث المرأة سواءً بإكراه أو بغير إكراه كذلك، إنما قوله: (كرهاً) خرجت مخرج الغالب؛ لأن هذا هو الذي كان متبعاً قبل عهد رسول الله عليه الصلاة والسلام.
وتوضيح الآية: أن الرجل كان إذا مات أبوه عمد إلى امرأة أبيه، ووضع عليها ثوباً، فهو وإخوانه يتسابقون إليها، وأيهم وضع عليها ثوباً أولاً يكون قد ورثها، يفعل فيها ما يشاء: إن شاء أن يزوجها لشخص آخر زوجها، وإن شاء أن يتزوجها هو تزوجها، وإن شاء عضلها وأبقاها، وكان هو أحق بها من أوليائها، وفي ذلك يقول الله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا} [النساء:19] فكانت المرأة في الجاهلية مهانة غاية الإهانة، فإذا مات زوجها يعمد الأولياء متسابقين إليها بوضع ثوب عليها فمن كان أسبق فهو يتصرف بها كيفما شاء.
{لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلا تَعْضُلُوهُنّ} [النساء:19] أي: لا يحل لكم أيضاً أن تعضلوهن، وأصل العضل: المنع، والمراد بقوله: (ولا تعضلوهن) المنع من تزويجهن، امرأة تريد أن تتزوج وأنت تمنعها، {لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ} [النساء:19] أنت متزوج امرأة وكرهتها تبقى معلقة لا أنك طلقتها ولا أنك قمت بواجب الزوجية نحوها، تتركها معلقة وأنت معضل لها، تحتال هذه الحيلة لكي تتنازل لك عن شيء من الصداق، فإخواننا الذين يكرهون نساءهم ولا يطلقوهن كي تتنازل له المرأة عن صداقها آثمون مرتكبون لمحرم لقوله تعالى: {لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلا تَعْضُلُوهُنّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ} أي: لتأخذوا بعض الصداق الذي أعطيتموه لهن إلا في حالة واحدة.