وهنا يجدر بنا التنبيه على مسألة وهي: هل يشرع النظر إلى الأضياف وهم يأكلون؟! الفقه في هذه المسألة أنه إذا كان النظر إلى الأضياف وهم يأكلون يحرجهم ويشق عليهم كما يفعل أرباب البيوت البخلاء، إذ يعدون اللقيمات التي أكلها الضيف عداً مما يسبب إحراجاً للضيف الذي يرى أن الجميع ينظر إليه ويعد عليه اللقيمات عداً، فيقوم محرجاً قبل أن يقضي حاجته من الطعام، ففي هذه الحالة الأولى أن يكف المضيف عن نظره عن ضيفه ويتركه حتى يأكل براحته.
أما إذا كان الضيف لا يأكل بالكلية؛ فلك أن تسأل لماذا لا تأكل؟ فلعله أن يكون مثلاً صائماً أو مريضاً ولا يشتهي إلا نوعاً من الطعام غير موجود، أو لعله يرغب في طعام غير هذا الطعام تستطيع أن تأتي به، فلهذا فقه يقتضيه مقام الضيافة، والله سبحانه وتعالى أعلم.
فالشاهد: أن إبراهيم صلى الله عليه وسلم لما {رَأَى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً} [هود:70] ، ففيه إثبات الخوف الجبلي، والخوف الجبلي يرد حتى على الفضلاء وأهل الصلاح، فالخليل إبراهيم عليه السلام أوجس خيفة في نفسه من هؤلاء الأضياف، وفي موسى عليه السلام يقول الله: {فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى} [طه:67] ، وكذلك قال موسى: {فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ} [الشعراء:21] ، وكذلك قال الله سبحانه وتعالى: {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ} [الأنفال:26] .
فالخوف الجبلي الذي يتوارد على أبناء آدم لا يخدش في دينهم وتقواهم، وإن كان ينبغي لهم أن يقاوموا أنفسهم في هذا الخوف لعموم قوله تعالى: {َفلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران:175] .
{فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لا تَخَفْ} [الذاريات:28] ، على الضيف أيضاً: أن يطمئن صاحب البيت ولا يدخل عليه الرعب والإزعاج بل عليه أن يطمئنه ويذهب عنه الروع.